فيروس كورونا والسياسة العربية

0

فيروس كورونا والسياسة العربية

مستشفيات خاصة يموت الفقراءُ على أبوابها تعود لمسؤولين حكوميين كبار أو لفاسدين فوق القانون..
كيف نُصدق هذه المرة أن المسؤولين حريصون على صحة شعوبهم؟ وأنهم يخشون على الناس من المرض؟
ليس صحيحاً أن الأنظمة العربية تخشى على مواطنيها من المرض، وهي التي لا تخشى على أرواحهم من الرصاص!
الأنظمة العربية تقمعُ شعوبها وتعتقلُ عشرات الآلاف منهم وتفتح قواتها النار عليهم لا يمكن أن تكون حريصة على الصحة العامة.
هذا الفيروس وما سبب من أزمة صحية واقتصادية عالمية يتم استثمار أزماته في أغراض سياسية.. إنه فيروس سياسي عربي بامتياز.
* * *

تقديم الكاتب والباحث الدكتور/ مازن النجار

يوماً بعد آخر نتأكد أكثر فأكثر بأن فيروس كورونا المستجد ليس سوى «مرض سياسي» في العالم العربي، ولا علاقة له بالصحة العامة، بل إنها أزمة نزلت برداً وسلاماً على بعض الأنظمة العربية، التي وجدت فيها فرصة غير مسبوقة لتنفيذ أجندات لم تكن تستطيع تنفيذها لولا هذا الفيروس.

الفيروس تسبب بأزمة صحية واقتصادية عالمية ولا شك في ذلك، وهذه الأزمة اضطرت كافة حكومات العالم لاتخاذ إجراءات احترازية عديدة، وإن كانت متفاوتة في التشدد، لكن ما حدث في العالم العربي هو، أن حكومات هذه الدول وضعت السم في الدسم، وخلطت مع الإجراءات الاحترازية الرامية لضمان الصحة العامة، العديد من الإجراءات التي لاعلاقة لها بالوضع الصحي.

ما حدث في العديد من الدول العربية خلال الشهور الخمسة الماضية هو، أن الأنظمة وأجهزتها الأمنية والعسكرية بدأت بتطويع شعوبها، واستعادة آلة القمع، وتعزيز السطوة والهيمنة على الناس، بما يحتوي ذلك من تغول على الحريات، وانتهاك لحقوق الناس الأساسية والعامة، وصولاً إلى انتهاك الدساتير والقوانين العامة في البلاد.

وكل ذلك حدث باسم كورونا، وتحت شعار إننا «نريد أن نحميكم من المرض». تحت شعار «التباعد الاجتماعي» حظرت بعض الدول العربية الاجتماعات العامة، وقمعت التظاهرات، ومنعت الاحتجاجات، وعطّلت الندوات والأنشطة العامة، وهو قمع ممنهج تم تغليفه بغلاف «الحفاظ على الصحة العامة»، كما تم تفعيل قوانين الطوارئ وإعمال الأحكام العرفية تحت الشعار ذاته.

في بعض الأقطار العربية تم تعطيل البرلمان والقضاء ومؤسسات المجتمع المدني، ووصل الامر إلى منع طباعة الصحف، بادعاء أنها تنقل الفيروس، وتؤدي إلى العدوى وتؤذي الناس، والحقيقة أن هذه الحكومات تريد أن تنفرد بالهيمنة على وسائل الإعلام، وتبث ما تريده للناس، وتهيمن بعد ذلك على عقولهم من أجل تمرير ما تريد.

قيل للناس إنه يتم الحفاظ على حياتهم من الوباء القاتل، وقيل لهم إنها معركة ينبغي الالتفات حول الحكومة حتى ننتصر فيها، ولهذا الغرض تم الاستيلاء على المال الخاص، وتم فرضُ ضرائب جديدة ونهبُ أموال الأثرياء.

وكل هذا من أجل الحفاظ على السلامة العامة، وعلى حياة الناس والحفاظ عليهم من العدوى، ومن أجل السيطرة على الوباء، والحقيقة أن الوباء لا يواجَه بالمال ولا بالضرائب، وأنَّ الفيروس لا يمكن للجيش ولا الأجهزة الأمنية أن تقوم بالتغلب عليه، لأنه ببساطة لا يُرى بالعين المجردة، ولا يمكن قتالُه بالسلاح ولا بالقمع..

وهنا ازدادت الهوة شيئاً فشيئاً في الإجراءات بين الدول الغربية التي اكتفت بالتعامل معه على أنه وباء مرضي، يُهدد الصحة العامة، والدول العربية التي تعاملت معه على أنه فرصة للانقضاض على الشعوب والاستفادة منه كموسم نادر لا يتكرر.
في العالم العربي قيل للناس إنه يُراد حمايتهم من الفيروس وصون صحتهم وتأمينُ حياتهم، رغم أن هذه الدول لا توفر أصلاً لمواطنيها العلاجَ المجاني، ولا الدواء، كما أن أغلب أسواقها تغرق بالمواد المسرطنة والطعام الضار بالصحة، لا بل تستثمر بعضُ دول المنطقة بالأمراض وتُحقق الأرباح!

حيث نكتشف بأن المستشفيات الخاصة التي يموت الفقراءُ على أبوابها، تعود لمسؤولين حكوميين كبار أو لفاسدين فوق القانون.. فكيف نُصدق هذه المرة أنهم حريصون على صحة شعوبهم؟ وأنهم يخشون على الناس من المرض؟

الخلاصة هنا هو أنه بات واضحاً بما لا يدعُ مجالاً للشك أن كورونا في العالم العربي ليس سوى فيروس سياسي، فهذه الأنظمة التي تقمعُ شعوبها وتعتقلُ الآلاف منهم وتدفع بقواتها لتفتح النار عليهم، لا يمكن أن تكون حريصة على الصحة العامة.

وليس صحيحاً أنها تخشى على مواطنيها من المرض، وهي التي لا تخشى على أرواحهم من الرصاص، وإنما كلُ ما في الأمر هو أن هذا الفيروس وما تسبب به من أزمة صحية واقتصادية عالمية، يتم استثماره واستثمار أزماته في أغراض سياسية.. إنه فيروس سياسي عربي بامتياز.

* محمد عايش كاتب صحفي فلسطيني

[cov2019]