الوطن والوطنية والمواطنة والاستيطان والتوطين

0

الوطن والوطنية والمواطنة والاستيطان والتوطين

 

الوطنية ليست بالضرورة الإخلاص للوطن بل الوطنية إخلاص للنظام الحاكم، لا مفهوم للمواطن إلا أن يكون مؤمنا بالله، ولا مفهوم للمواطنة إلا أن تكون تعاملا بشرع الله.

الاستيطان لتبرير الاستعمار والغربة والهجرة والتوطين نقل ما لا ينتمي للبلد من أشخاص وآليات وحضارات وثقافات وعادات وأفكار أجنبية.

البلد الطيب يسوده الدين الإلهي وهو البلد الرافض لتبعية الاستيطان والاستعمار.

ولا معنى لمفهوم الوطن دون أن يكون موطن دين الله.

حذر الله البلد وأهله الذين يعرضون عن دينه، وأكد أن الدين عند الله الإسلام له سبحانه وفرض الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله بلا تفريق بينهم.

مصطلحات الوطن والوطنية والمواطنة والاستيطان والتوطين اخترعها الإنسان لوضع سياسات معينة تتفق مع رغباته وأهوائه وتصنف الناس بين وطني وخائن..
* * *

الكاتب اشرف السعدنى 

مصطلحات خمسة مشتقة من أصل واحد، لكن معانيها ومفاهيمها مختلفة، ولم يرد أي منها في القرآن الكريم، بينما ورد مفهوم الوطن بألفاظ أخرى، مثل: بلد، مدينة، قرية، حجر، وقد اختار الله سبحانه البلد ليقسم بها، دون أن يذكر الاسم الذي سميت به، فعندما أقسم بمكة قال سبحانه:

{لا أقسم بهذا البلد، وأنت حل بهذا البلد، ووالد وما ولد}. (البلد:1-3) (“لا” تفيد هنا التأكيد وليس للنفي). وقال أيضا عنها: {والتين والزيتون، وطور سنين، وهذا البلد الأمين}. (التين:1-3). وقال أيضا: {وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر}. (البقرة:126) وقال عنها أيضا: {إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها}. (النمل:91).

أما قرية يثرب التي أتى ذكرها في القرآن فقد اقترن ذكرها بالمنافقين، يقول تعالى: {وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا ويستأذن فريق منهم النبي يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا فرارا}. (الأحزاب:13).

لكن القرآن الكريم أورد لها اسما آخر هو المدينة تكريما لهجرة رسوله إليها، فقد زاد من مساحتها لتصبح مدينة، ووصف من فيها بأنهم أهلها، واشترط لها الارتباط برسوله والتعلق بدينه، يقول تعالى: {ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه}. (التوبة:120).

ومن جميل عطاء الله أن يصف مصر بالمدينة تكريما لإقامة النبي يوسف فيها، يقول تعالى: {وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه}. (يوسف:30).

لقد ورد في القرآن الكريم ذكر المدينة للمجتمعات المدنية الكبيرة، ومن ثم فهي الأصل في وصف ما يسمونه الآن بالوطن، من ثم يمكن القول بأن مصطلحات الوطن والوطنية والمواطنة والاستيطان والتوطين ابتكرها الإنسان، من أجل أن يضع سياسات معينة تتفق مع رغباته وأهوائه!

وهو ما جعلهم يصنفون الناس بين وطني وخائن وعميل، والوطنية ليست بالضرورة الإخلاص للوطن، وإنما الأغلب أن الوطنية إخلاص للنظام الحاكم، وبين استيطان لتبرير الاستعمار والغربة والهجرة، وبين التوطين وهو نقل ما لا ينتمي للبلد من أشخاص وآليات وحضارات وثقافات وعادات وأفكار أجنبية عن البلد.

وقد نبه القرآن الكريم إلى هذا الابتكار والتصنيف، حيث فرَّق الله سبحانه بين البلد الطيب بلد الطيبين، والبلد الخبيث وطن المستوطين والمتوطنين الخبثاء، يقول تعالى: {والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا}. (الأعراف: 58).

من ثم ضرب الله سبحانه مثلا ببلدة سبأ وأهلها، فوصفها بقوله: {بلدة طيبة ورب غفور} (سبأ:15)، وعندما أعرض أهلها عن دين الله واتباع أنبيائه وعن شكر الله على ما أنعم عليهم، وتابعوا الاستيطان والتوطين عاقب أهلها، فقال تعالى:

{فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل. كما باعد بينهم وبين القرى المباركة التي يمكن أن يستفيدوا من خيرها، ولما استهانوا بهذا الإبعاد مزقهم كل ممزق}. (سبأ:16-19).

البلد الطيب هو البلد الذي يسوده الدين الإلهي، وهو البلد الرافض لتبعية الاستيطان والتوطين الاستعماري. ولا معنى لمفهوم الوطن دون أن يكون موطن دين الله، ولا مفهوم للمواطن إلا أن يكون مؤمنا بالله، ولا مفهوم للمواطنة إلا أن تكون تعاملا بأوامر الله ووفق شرع الله.

وقد حذر الله البلد وأهله الذين يعرضون عن دينه، وأكد أن الدين عند الله الإسلام بغض النظر عن التسمية الشائعة لذلك الدين، وفرض الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله بلا تفريق بينهم.

ألا هل بلغت اللهم فاشهد.

* د. محمد السعيد عبد المؤمن أستاذ الدراسات الإيرانية بجامعة عين شمس.

 

[cov2019]