عوائد السندات المرتفعة ليست أمراً عادياً

0

عوائد السندات المرتفعة ليست أمراً عادياً

 

المستثمرون محكومون بأمرين: الأول «لا يوجد بديل للأسهم» والثاني تعزيز سلوك «الشراء في القاع»!
تدهورت آفاق النمو في ظل الارتفاع الأخير في الإصابات ودخول المستشفيات والوفيات المرتبطة بـ«كوفيد-19».
يستمر ارتفاع الأسهم والأصول الخطِرة الأخرى بسبب وفرة السيولة من البنوك المركزية وتخصيص أموال خاصة أكثر أو تقسيم الموجودات.
لا تظهر البنوك المركزية ميلا لتخفيف حوافزها الضخمة واستمرار الاحتياطي الفيدرالي في قمع العوائد وإبقائها في نطاق تداول ضيق.
استمرار وتيرة ارتفاع عوائد السندات الحكومية يخاطر بالتسبب بمتاعب لصانعي السياسات والمستثمرين في الأسهم بسبب دوافع أساسية.
استمرار ارتفاع عوائد السندات سيقلق التوقعات الاقتصادية بسبب دوافعها الأساسية وتأثير محتمل على قطاعات حساسة لأسعار الفائدة كالإسكان.
* * *

الكاتب أشرف السعدنى 

التقلبات الأخيرة والمكثفة في منحنيات العائد مقلقة لصانعي السياسة والمجازفين في الأسواق. وبينما يأمل «الاحتياطي» في ارتفاع التضخم، فإنه لا يريد «التضخم المصحوب بالركود».

سجلت عائدات السندات الحكومية الأمريكية بعض التحركات الملحوظة في الأيام القليلة الأولى من عام 2021. وإذا استمرت في وتيرتها الحالية، فإنها تخاطر بالتسبب بمتاعب لكل من صانعي السياسات والمستثمرين في الأسهم بسبب بعض الدوافع الأساسية.

في أقل من أسبوعين، شهد منحنى عائد الخزانة زيادة كبيرة في عوائد السندات طويلة الأجل، أو ما يُعرف في الأسواق المالية باسم «انحدار الدب».

وارتفعت عائدات سندات ذات 10 و30 عاماً بمقدار 20 نقطة أساس و22 نقطة أساس، على التوالي؛ حيث اتسعت الفروق بين آجال الاستحقاق وسندات الخزانة ذات العامين، التي تؤثر فيها سياسة الاحتياطي الفيدرالي تأثيراً كبيراً، بشكل ملاحظ من 80 نقطة أساس إلى 98 نقطة أساس لمدة 10 سنوات ومن 152 نقطة أساس إلى 174 نقطة أساس لمدة 30 عاماً.

تأتي هذه التحركات مع استمرار سياسة بنك الاحتياطي الفيدرالي في قمع العوائد بشكل كبير وإبقائها في أضيق نطاق للتداول.

وفي حالة بقيت هذه الفوارق، فإنها ستتحدى أيضاً بعض المحركات القوية للأموال في الأسهم وأصول المخاطرة الأخرى عن طريق تقليل جاذبيتها النسبية وإضعاف إشارات الشراء الصادرة عن النماذج التي تتضمن خصم التدفقات النقدية المستقبلية.

علاوة على ذلك، فإن استمراراها سيكون مقلقاً للتوقعات الاقتصادية بسبب دوافعها الأساسية والتأثير المحتمل على القطاعات الحساسة لأسعار الفائدة مثل الإسكان.

فماهي هذه الدوافع؟ لا تعكس التحركات الأخيرة في منحنى العائد في الولايات المتحدة أي تغيير، فعلي أو مستقبلي، في موقف السياسة النقدية التيسيرية للغاية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي.

في الواقع، أكد محضر اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة في ديسمبر/كانون الأول، الذي صدر الأسبوع الماضي، أن البنك المركزي ليست لديه نية لتقليص حجم الحوافز في أي وقت قريب، وعندما يحدث ذلك، ستكون العملية تدريجية للغاية.

من غير المرجح أن يكون هناك دور كبير لبعض المساهمين المحتملين الآخرين في زيادة العوائد، مثل زيادة مخاطر التخلف عن السداد الحكومي أو توقعات النمو الأكثر ملاءمة.

وإذا كان هناك أي شيء، فإن رغبة بنك الاحتياطي الفيدرالي في توسيع ميزانيته العمومية دون حدود تعزز فكرة وجود مشترٍ غير تجاري ثابت وموثوق به للسندات الحكومية. وفي الوقت نفسه، تدهورت آفاق النمو في ظل الارتفاع الأخير في الإصابات ودخول المستشفيات والوفيات المرتبطة بـ«كوفيد-19».

بالفعل، أبلغ تقرير الوظائف الأمريكي الشهري يوم الجمعة عن خسارة 140 ألف وظيفة في ديسمبر. وأدى اكتساح الديمقراطيين لانتخابات الإعادة في مجلس الشيوخ في جورجيا الأسبوع الماضي، إلى زيادة احتمالية ارتفاع عجز الميزانية الحكومية والمزيد من تمويل الديون.

لكن نظراً لأن الاحتياطي الفيدرالي لا يلتزم فقط بالحفاظ على مشتريات الأصول واسعة النطاق، لكن أيضاً يعمل على زيادتها وتحويل المزيد من المشتريات إلى أوراق مالية طويلة الأجل، فإن مثل هذا الاحتمال لا ينبغي أن يكون له تأثير كبير فوري على العوائد.

وبالتالي، فإن الدوافع الأكثر ترجيحاً هي توقعات ارتفاع التضخم ومزيد من التردد من جانب مشتري سندات الخزانة.

الأول مدعوم بالتحركات في موازاة التضخم وقطاعات السوق الحساسة الأخرى.

في حين يتوافق الثاني مع أحاديث السوق الكبيرة، كيف أن السندات الحكومية، التي تتعرض للقمع الشديد من قبل الاحتياطي الفيدرالي وتواجه نظرة غير متكافئة لتحركات العائد، لم تعد مثالية للتخفيف من المخاطر.

إن التقلبات الأخيرة والمكثفة في منحنيات العائد ستكون مقلقة في الأسابيع القادمة لكل من صانعي السياسة والمجازفين في الأسواق. وبينما يأمل بنك الاحتياطي الفيدرالي في ارتفاع معدل التضخم، فإنه لا يريد أن يتحقق ذلك من خلال «التضخم المصحوب بالركود»، أي نمو مخيب للآمال بدرجة أكبر وتضخم أعلى.

يمتلك الاحتياطي الفيدرالي أدوات قليلة جداً لتوجيه الاقتصاد للخروج من بيئة التشغيل هذه. من شأن ذلك، إضافة إلى الضرر الذي لحق بأرباح الشركات نتيجة الافتقار إلى النمو الاقتصادي، أن يؤدي إلى تفاقم ما هو بالفعل انفصال كبير للغاية بين التقييمات المالية والأساسيات.

وجهة النظر السائدة في السوق حالياً، وهي شبه عالمية، أن الأسهم والأصول الخطِرة الأخرى ستستمر في الارتفاع بسبب ضخ السيولة الوفيرة القادمة من البنوك المركزية وتخصيص المزيد من الأموال الخاصة أو تقسيم الموجودات.

بعد كل شيء، لا تظهر البنوك المركزية أي ميل للتخفيف من حوافزها الضخمة. ويبقى المستثمرون محكومين بأمرين حتى الآن:

الأول: «لا يوجد بديل للأسهم» والثاني: تعزيز سلوك «الشراء في القاع»، خصوصاً بعد الخوف من فقدان فرصة تكرار ارتفاعات السوق الذهبية. وبقدر أهمية أن تكون هذه الاعتبارات صالحة في هذا الوقت من الزمن، بقدر ما تتطلب مراقبة دقيقة لمنحنى العائد على السندات الحكومية الأمريكية.

* د. محمد العريان خبير اقتصادي، كبير الاستشاريين في مجموعة «أليالنز».

  

[cov2019]