د. محمد هنيد أستاذ محاضر في العلاقات الدولية بجامعة السوربون،
اليوم تجد أوروبا نفسها بمواجهة جيش روسيا في حرب فُرضت على دول الاتحاد الأوروبي التي فشلت في استباق الأزمة ومنع اندلاع الحرب.
لا تعود أسباب الأزمة إلى حرب أوكرانيا فقط ولا إلى أزمة كورونا قبلها بل إن أسباب الأزمة حاضرة في عمق الأسس المكونة للبناء الأوروبي.
يشير تصاعد وتيرة احتجاجات ومطالب اجتماعية بأوروبا لتحولات عميقة تشهدها القارة فيما يتعلق ببنيتها السياسية الداخلية وعلاقاتها الخارجية.
تعمل أمريكا على إطالة أمد الحرب لاستنزاف الاقتصاد الروسي وإنهاك اقتصادات أوروبا لتبقى مرتبطة كما كانت منذ الحرب العالمية الثانية بالقوة الأميركية
إن تصاعد وتيرة الاحتجاجات والمطالب الاجتماعية في أوروبا اليوم تؤشر على تحولات عميقة، قد تشهدها القارة فيما يتعلق ببنيتها السياسية الداخلية ثم علاقاتها الخارجية.
لا تعود أسباب الأزمة إلى حرب أوكرانيا فقط ولا إلى أزمة كورونا قبلها بل إن أسباب الأزمة حاضرة في عمق الأسس المكونة للبناء الأوروبي.
اليوم تجد أوروبا نفسها في مواجهة الجيش الروسي في حرب فُرضت على دول الاتحاد التي فشلت في استباق الأزمة ومنع اندلاع الحرب.
من جهة مقابلة يرى عدد من المحللين أن الولايات المتحدة هي من يعمل على إطالة أمد الحرب؛ بهدف استنزاف الاقتصاد الروسي من جهة وإنهاك اقتصادات أوروبا لتبقى مرتبطة كما كانت منذ الحرب العالمية الثانية بالقوة الأميركية.
لكن الأمر اليوم لم يعد متعلقا بالأسباب الخارجية وبموازين القوى الدولية، بل هو نابع أساسا من الداخل الأوروبي أزماته الاقتصادية التي أدت في عدد من دول الاتحاد إلى صعود قوى اليمين المتطرف.
لا يجب أن ننسى أن أزمات شبيهة بهذه قد أدت في بدايات القرن الماضي إلى صعود القوى الفاشية والنازية العائدة بقوة إلى الساحة الأوروبية بمعنى أن تجدد الهزات البنيوية قد تؤدي إلى تغير كبير في الخريطة السياسية.
في هذا الإطار يتنزل مشروع إحياء التقارب الفرنسي الألماني لمنع مزيد الفجوة بين دول الاتحاد خاصة مع رغبة دول جديدة في الالتحاق به مثل فلندا والسويد على وقع القصف الروسي لأوكرانيا.
بناء عليه فإن الأزمات الاجتماعية الهيكلية في بنية الاتحاد تكون عادة أخطر وأعمق تأثيرا من الأزمات السياسية التي ليست في الحقيقة سوى رجع صدى للهزات الاجتماعية.
هذا الواقع الجديد الذي نجم عن تصدعات صامتة في بنية الهيكل الأوروبي حتى قبل خروج بريطانيا منه هو الذي يؤشر على تحولات ستؤدي إما إلى فرض هيكلية جديدة على الدول الأعضاء أو نهاية الشكل الحالي للوحدة الأوروبية.
إن أخطر ما قد يواجه هذه المرحلة الانتقالية إنما يتمثل في العودة القوية لأحزاب أقصى اليمين وهي الأحزاب التي جعلت من محاربة البناء الأوروبي أحد أهم ركائزها إضافة إلى تشجيع التعويل على الهيكل القومي الداخلي بدل الركض وراء سراب الوحد،ة التي لم يستفد منها إلا رأس المال.
تحولات عميقة داخلية ستلقي حتما بظلالها على العلاقات الأوروبية العربية، وهو الأمر الذي يفرض على القوى العربية الصاعدة التعويل على شراكات بينية مع دول الاتحاد كل على حدة؛ بدل مواجهة التجمع الأوروبي بقوته الضاربة.