الاعتدال و«تغليف» الغبار الإسرائيلي
الاعتدال و«تغليف» الغبار الإسرائيلي
•الإصرار ليس فقط على رفض الضم بل رفض تأجيله أو تزويقه أو تنفيذه على مراحل أو بالتقسيط.
•المشروع ينبغي أن يرفض من أساسه وبجذوره شكلا ومضمونا ودائما مهما كانت الذرائع تجنبا لمنحه شرعية تحوله لواقع قابل للتفاوض.
•الضم يستهدف ليس فقط تصفية قضية فلسطين وتهويد القدس والأقصى وتهديد الوصاية الأردنية بل يستهدف وطنا بديلا في الأردن.
* * *
يثيرني أن يفرح القوم خصوصا من المثقفين والمسيسين بنبأ عاجل تبثه قناة أمريكية ويتحدث عن تأجيل مشروع الضم الإسرائيلي.
وتقلقني أكثر تلك اللعبة التي يمارسها العدو وهو يجعل التفاوض مرة تلو الأخرى على مشاريعه التوسعية الاحلالية هدفا وطموحا بحد ذاته بعد سلسلة الانهيارات والخيبات التي تعيشها الأمة والتي تقول الخارطة الجيوسياسية اليوم وعلى رأي رئيس الوزراء الأردني الأسبق طاهر المصري بأنها لم تعد أمة اصلا فهي تحاصر بعضها ويتحالف بعضها مع الخصوم والأعداء وتلتهم أولادها.
لنترك وجع الأمة مستقرا في أوصالها، ونعود للمسألة الأهم حيث سلسلة مواقف عربية رسمية وللأسف أخرى شعبية تلتقط ما تيسر من تسريبات ومعلومات يبثها الأمريكي أو الإسرائيلي بين الحين والآخر تحت عنوان إرجاء أو تأجيل مشروع الضم بصورة يحتفي بها العرب وكأن الإرجاء والتأجيل هو المحطة النضالية المناسبة.
حارتنا ضيقة كما يقال وكل من فيها يعرف الآخر ولا أمل ولا رهان ولا روح في نظام الاعتدال العربي الرسمي الذي يضعه العدو نفسه قبل غيره في قمة مستويات التهميش والاقصاء وبطريقة مخجلة لا يرد فيها معسكر الاعتدال ولو قليلا على كرامته السياسية والإعلامية التي يهدرها اليمين الإسرائيلي العدو.
أشعر ببعض الخجل بصراحة كأردني لأن سندي العربي يتركني وحيدا ويتيما مع الفلسطيني وعاريا سياسيا ودبلوماسيا في بعض الأحيان في مواجهة عدو احلالي. وأشعر ببعض الخجل لأن بعض رموز المعارضة قبل الموالاة سارعوا لتلقف ذلك النبأ عن تأجيل مشروع الضم الإسرائيلي.
أشعر بأكثر من الخجل وأنا أرصد مثقفين يسهرون وينشغلون بفتات الأنباء في الصحافة الإسرائيلية والأمريكية بعنوان تقسيط مشروع الضم أو التدخل العنيف لإنجازه على مراحل في إطار خطوة لذر الرماد في العيون حفاظا على ما تبقى من عملية سلام لم يعد يهتم بها أصلا إلا العرب المعتدلون، ومن كرامة دبلوماسية تباع اليوم في بورصة النخاسة وسط المجتمع الدولي.
الخجل نفسه معتقا ومعلبا وبالكوم والجملة عندما أسمع تلك النغمة المجترة البائسة التي تراهن على العمق الإسرائيلي بمعنى على مؤسستي الجيش والأمن وتحديدا على الموساد في إسرائيل، فالأمر هنا اشبه باللعب في الوقت الضائع وثمة من يريد إقناعنا فعلا بأن دولة الاحتلال العميقة «أرحم قليلا» بنا نحن ممثلي الشعوب المحتلة والمهددة التي تصلها طائرات جيش الدفاع الاستعماري.
لعب فعلي خارج خطوط الملعب في وقت تؤكد فيه الدراسات التي أثق شخصيا بأن المؤسسات الأردنية مثلا تعلم بها بأن اليمين الديني المتطرف زحف إلى بنية الموساد وهيكل جيش الدفاع وأذرع مؤسسات الأمن الداخلي عند العدو.
لا يوجد انتقاص في كرامة الموقف على الأقل من أن ترى عدوك الغاصب يقتل الناس ويقضم الأرض وأنت بلا حول ولا قوة ثم يحيل أوراق ومعاهدات السلام إلى غبار تسعى أنت لتغليفه وإعادة ترويجه مع أنه لم يعد أكثر من مجرد غبار سقيم مبعثر.
مؤسف أثناء الاعتداء على مصالحك وأرضك ووطنك أن تراهن على تعقل ورشد مؤسسات عميقة عند الكيان بحجة أنها حريصة على إسرائيل حقا. أي غفران يرتجى بعد كل هذا البؤس؟
غير معقول أن يستمر بلدي شخصيا في الرهان على حُقن التخدير التي يغرسها في جسد الأمة جنرالات يتقمصون دور الحمل الوديع بذريعة وجود ديمقراطية حقيقية عند الكيان العدو تمنع الجنرالات ومؤسساتهم من التدخل في حكومة منتخبة بينما خصوم إسرائيل وأهدافها من العرب المعتدلين وأولئك الشاردين لا علاقة لهم بأي ديمقراطية من أي نوع.
أفهم كمواطن عربي بأن العمق الإسرائيلي تمثيل وتدجيل وأن رهاني كضحية على تلك الفوارق بين المخلص العقائدي لدولة العدو وبين المنتخب الإيديولوجي لإدارة حكومة إسرائيل هو رهان البائس المريض المختل المفلس.
طبعا المعارضات العربية فيما يسمى دول الطوق ليست بأفضل حالا هنا، وما يسمى محور الممانعة والمقاومة مشغول بلعبة النفوذ الطائفية الإيرانية والسورية فيما يحصد العدو الأرواح والأرقام والأرض والسكان وفي كل مكان.لا بد من تذكير كل من يتداولون شؤون وشجون مشروع الضم بمسألتين:
الأولى أن هذا المشروع ينبغي أن يرفض من أساسه وبجذوره وعلى أي نحو ودون إعلان حرب والمطلوب رفضه بالشكل والمضمون وبكل الأوقات ومهما كانت الذرائع تجنبا لمنحه شرعية تحوله إلى واقع موضوعي قابل للتفاوض.
أما المسالة الثانية فهي الإصرار ليس فقط على رفض الضم، ولكن أيضا رفض تأجيله أو تزويقه أو تنفيذه على مراحل أو بالقطعة أو التقسيط فهو مشروع يستهدف، سواء تم تأجيله أو تقسيطه، في النهاية ليس فقط تصفية قضية الشعب الفلسطيني وتهويد القدس ومعه المسجد الأقصى وتهديد الوصاية الأردنية والهاشمية بل يستهدف أيضا وبكل اللهجات إقامة الوطن البديل في الأردن.
أقل من ذلك تمثيل وتدجيل والأهم تغليف للغبار ودون مبرر.
* بسام البدارين كاتب صحفي وإعلامي أردني
المصدر | القدس العربي