الغرب والفساد
متابعة / عمرو السعدنى
رأس الفساد العالمي دول الغرب نفسه والنظام الرأسمالي الإمبريالي الغربي العالمي.
قطع شريان الفساد سيؤدي إلى أزمة مالية عالمية أخطر من التضخم المالي والكساد الإنتاجي أو قل دونها أزمتا 1929 أو 2008
ماذا سيحدث لو منعت دول الغرب “هجرة” الأموال المنهوبة إليها ودققت بمصادر أموال محوّلة تبلغ مئات الملايين بل عشرات المليارات؟
سيهبط النهب المالي إلى العُشر إن لم يهبط إلى 1 بالمئة أو واحد بالألف ثم أين سيفر الفاسدون لو منعوا من الإقامة والجنسية هم وعائلاتهم؟
البلاء الذي أصبح من أسباب إفقار بلاد العالم الثالث ما كان له أن يبلغ مبلغه من فساد لولا حماية الغرب لأموال الفاسدين والفاسدين وعائلاتهم.
* * *
شكلت أوروبا وأمريكا ملاجئ آمنة للأموال المنهوبة من قِبَل الفاسدين في بلدان العالم الثالث، كما شكلت ملاجئ آمنة للفاسدين الذين يهربون من بلادهم لهذا السبب أو ذاك.
تفاقمت هذه الظاهرة مع تفاقم نهب الثروات المالية في مرحلة العولمة، ولا سيما خلال الثلاثين عاماً الماضية. فالفساد المالي المهاجر إلى الغرب أصبح بالمليارات بعد التضخم المالي النقدي الرقمي، فكم من فاسد كبير وصولاً للرؤساء والملوك أودع مليارات في بنوك الغرب تعد بالعشرات، سواء أكان ذلك في البنوك، أم في العقارات أم في الأسهم؟
فالثروات المالية التي أصبحت تصب في الغرب من دول العالم الثالث لا حصر لها؛ لأنها في أغلبها تدخل في حسابات سرية، ومن خلال شركات “وهمية”، أو عبر عقارات بعضها قصور لم تعلن أسماء الذين اشتروها من قِبَل فاسدي العالم الثالث.
من هنا يخطئ من يعتبر أن الفساد ظاهرة عالمية، بالرغم من وجوده في كل البلدان، ولا سيما في العالم الثالث، إلاّ أنه في حقيقته سياسة أوروبية أمريكية لتشجيعه إلى أقصى مدى، حتى وصل إلى كل تلك الأرقام الفلكية، وحتى أصبح كبار الفاسدين وعائلاتهم يحوزون على جوازات سفر غربية أو على إقامات دائمة.
فهذا البلاء الذي أصبح من أسباب إفقار بلدان العالم الثالث ما كان له أن يبلغ ما بلغه من فساد لولا تلك الحماية لأموال الفاسدين، كما للفاسدين وعائلاتهم كذلك.
تصوروا ماذا كان سيحدث للفساد لو كانت سياسة الدول الغربية تمنع “هجرة” الأموال المنهوبة إليها، وراحت تدقق بمصادر الأموال المحوّلة التي تبدأ بالملايين وعشرات الملايين لتصل إلى مئات الملايين فالمليارات فعشرات المليارات؟ الجواب: سيهبط النهب المالي إلى العُشر إن لم يهبط إلى 1 في المئة أو واحد في الألف. ثم أين سيكون المفر للفاسدين لو منعوا من الإقامة والجنسية هم وعائلاتهم؟
إن رأس الفساد العالمي هو دول الغرب نفسها، هو النظام الرأسمالي الإمبريالي الغربي العالمي. بل يمكن القول إن قطع هذا الشريان سوف يؤدي إلى أزمة مالية عالمية أخطر من التضخم المالي، والكساد الإنتاجي، أو قل دونها أزمتا 1929 أو 2008، أو أي أزمة ضربت في النظام الرأسمالي وأدت إلى الحرب.
ولعل الظاهرة المشهودة التي تحمل المغزى المشار إليه هو منع استرداد دولة لبعض ما نُهب وهُرّب من ثرواتها. فما يدخل جيوب الغرب لا يخرج منها، أما استثناء هذه القاعدة فسيكون فتاتاً، وثمة المثال التونسي بعد سقوط زين العابدين بن علي.
لهذا من الضروري شنّ نضال عالمي، بأن تتشكّل محكمة دولية يسندها قانون يجرّم هجرة الأموال المنهوبة إلى الغرب، تماماً كما القوانين الدولية التي تنظر فيها محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية.
ولكن الأهم من ذلك فهو التشهير السياسي ضد السياسة الغربية التي هي وراء تشجيع الفساد العالمي والفاسدين العالميين.
* منير شفيق مفكر عربي إسلامي، الأمين العام لمؤتمر فلسطينيي الخارج.