القراءة إشراقة وانطلاقة لا مثيل لها
بقلم / الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الاتحاد العالمي للعلماء والباحثين
مما لا شك فيه أن القراءة إشراقة وانطلاقة لا مثيل لها .. بالقراءة تغوص في أعماق التاريخ، وتجالس حكماء الدنيا، وتطوف أرجاء المعمورة .. تعايش عادات الشعوب، وتقاليد الأمم، وإنجازات الحضارات، وخبرات البشرية.
القراءة مدرسة مجانية، وتثقيف ذاتي، وإضافة كيانات إلى كيانك، وثقافات إلى ثقافتك، ومعارف إلى معارفك ..
يقول عباس محمود العقاد: “لست أهوى القراءة لأكتب ولا لأزداد عمراً في تقدير الحساب، وإنما أهوى القراءة لأن لي في هذه الدنيا حياة واحدة، وحياة واحدة لا تكفيني لأتحرك على ما في ضميري من بواعث الحركة .. القراءة وحدها هي التي تعطي الإنسان الواحد أكثر من حياة واحدة“.
ومن كلمات الحكيم ” خيتي ” لابنه: “عليك أن توجه قلبك للكتب فلا شيء يعلو عليها، ليتني أستطيع أن أجعلك تحب الكتب أكثر من أمك، وليتني أستطيع أن أريك جمالها، إنها أعظم من أي شيء آخر“.
أمة أقرأ لا تقرأ !!
في مجتمعات عالمية لا مكان فيها لجاهل بات هجران الثقافة أمرا مثيرا للشفقة، والغريب أن أمة «أقرأ» طالتها الأمية المعرفية، وصار حظها من الوجود استهلاك ما أنتجته عقول غيرها، كما أن أزمتها تلخصت في: التخلف، والتبعية، وضياع الهوية.
أشارات التقارير الحديثة الصادرة عن اليونسكو أن القراءة في مجتمعاتنا العربية وصلت إلى مستويات متدنية للغاية، فلو قسمنا ما يقرأ العرب من ساعات ودقائق على عدد العرب سنصدم بأن متوسط قراءة الشخص العربي دقائق في السنة، وأن هناك كتابا واحدا سنويا يصدر لكل 350 ألف إنسان عربي، بينما هناك كتاب واحد لكل 15 ألف شخص في دول أوروبا، ولو جمعنا كل دور النشر العربية، وحسبنا كم تستهلك من أطنان الورق، لوجدناه يساوي استهلاك شركة نشر فرنسية واحدة هي شركة (ماليمار).
وأشار أحد الباحثين في إحدى مؤتمرات اتحاد الناشرين العرب إلى أن متوسط ما يقرؤه الأوروبي خمسة وثلاثون كتاباً في السنة، في حين أن الإسرائيلي يقرأ ما متوسطة أربعون كتاباً في السنة، أما الشاب الهندي فإنه يقرأ ما يقارب عشر ساعات أسبوعياً، وأن كل ثلاثة آلاف ومائتي عربي يقرؤون كتاباً واحداً في السنة!
هذا على مستوى القراءة والثقافة المعرفية «الأمية الثقافية» في زمان الانفجار المعرفي، فماذا سيكون الحديث عن أزمة الأمية التقليدية (37%)، وأزمة الكتاب، وأزمة المناهج التعليمية، وأزمة رعاية المثقفين والموهوبين .. أزمات مزمنة وعقبات معقدة تبحث عن فكاك وحلول.
أزمات يتنكر لها إسلامنا وتاريخنا وسلفنا الصالح الذي كان شغفه بالعلم يفوق الوصف .. قال المبرد: ما رأيت أحرص على العلم من ثلاثة: الجاحظ والفتح بن خاقان وإسماعيل بن إسحاق القاضي، أما الجاحظ فإنه كان إذا وقع في يده كتاب قرأه من أوله إلى آخره أي كتاب كان. وأما الفتح بن خاقان فكان يحمل الكتاب في خفه، فإذا قام من بين يدي المتوكل ليبول أو يصلي أخرج الكتاب فنظر فيه وهو يمشي حتى يبلغ الموضع الذي يريد ثم يصنع مثل ذلك في رجوعه إلى أن يأخذ مجلسه. وأما إسماعيل بن إسحاق فإني ما دخلت عليه قط إلا وفي يده كتاب ينظر فيه أو يقلب الكتب لطلب كتاب ينظر فيه أو ينفض الكتب.
وكان أبو بكر الخياط النحوي يدرس جميع أوقاته حتى في الطريق وكان ربما سقط في جرف أو خبطته دابة ، وقال بعض الوزراء: “يا غلام! ائتني بأنس الخلوة ومجمع السلوة”. فظن جلساؤه أنه يستدعي شرابا، فأتاه بسفط [وعاء] فيه كتب.
لن ينهض المسلمون إلا إذا أصبحت المكتبة في البيت بأهمية الغسّالة وأدوات الطبخ .. أليست القراءة رسالة إسلامية باقتدار، وأول ومضة من نور الرسالة المحمدية كانت «أقرأ»، فالقراءة جمال في الدين والدنيا، وما يعرف الحلال من الحرام إلا بالقراءة، ولا يميز المؤمن بين مراضي الله تعالى ومساخطه إلا بالقراءة، والقراءة سفينة تخوض بنا بحار الغيب وتطوف بنا في أرجاء الجنة وتحذرنا من النار ..
وما عبد الله بأفضل من الرجاء والخوف، ومن تعرف على معالم طريق حياته الممتدة يوشك أن يقطعه بخير وسلامة، وأقل ما في القراءة أنها أفضل استثمار للوقت، وهي تجارة العمر الرابحة {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ} [الرعد:16] {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} [الزمر:9]
أليست القراءة توسع المدارك وتهدي سواء السبيل، وأمة لا تقرأ أمة لا تدرك، وهي في عداد الأموات {وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاء وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاءُ وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ} [فاطر22].