بايدن يتبع سياسة براجماتية عنيفة تجاه الشرق الأوسط
بايدن يتبع سياسة براجماتية عنيفة تجاه الشرق الأوسط
نهج البيت الأبيض تجاه الشرق الأوسط نهج براغماتى واحد، بدءا من سوريا مرورا باليمن انتهاء بالسعودية.
لا شيء بطولىا فى البراغماتية القاسية لبايدن، لكن السياسة الخارجية غالبا ما تدور حول اتخاذ قرارات مشبوهة أخلاقيا!
كيف تتقاطع المشكلات الإقليمية مع مصالح أمريكا؟ وما هى الموارد المتاحة للولايات المتحدة؟ وما تكاليف اتباع مجموعة متنوعة من السياسات؟
استراتيجية إدارة بايدن يمكن وصفها بأنها «براغماتية لا ترحم». لذلك لا عجب أن كل من نشطاء حقوق الإنسان واليمينيين يبغضون هذه الاستراتيجية!
سياسة إدارة بايدن تقوم على الاعتراف بأنه من الصعب جعل السعودية دولة منبوذة. والرأى السائد بواشنطن أن هناك فرصة لتغيير علاقة أمريكا بالسعودية.
* * *
تقديم الكاتب الدكتور / مازن النجار
من المذهل أن الرئيس الأمريكى لديه استراتيجية للشرق الأوسط. وهذا يعنى أن بايدن ومستشاريه درسوا المشكلات الإقليمية، وكيف تتقاطع مع مصالح أمريكا، وما هى الموارد المتاحة للولايات المتحدة، وما هى تكاليف اتباع مجموعة متنوعة من السياسات. والنتيجة هى استراتيجية يمكن وصفها بأنها «براغماتية لا ترحم». لذلك لا عجب لماذا كل من نشطاء حقوق الإنسان واليمينيون يبغضون هذه الاستراتيجية.
ربما تكون هذه البراغماتية القاسية واضحة فى سياسات إدارة بايدن فى سوريا واليمن. فبناء على تصريحات الرئيس خلال ترشحه للبيت الأبيض، كان المرء يتوقع منه أن يقوم بدور أكثر فاعلية فى سوريا. لكن بايدن وهاريس لم يقدما فى 2020 خطة مفصلة للتعامل مع الحرب الأهلية فى سوريا، بدلا من ذلك تحدث المرشح عن القضية وأشار إلى نهج قوى.
حيث هاجم بايدن الرئيس دونالد ترامب لعدم فهمه البيئة الجيوسياسية، موضحا أن نية ترامب سحب القوات الأمريكية من سوريا ستفيد نظام الأسد وإيران، فضلا عن ترك إسرائيل تعتمد على روسيا من أجل أمنها. لكن نادرا ما تتماشى خطابات الحملة مع السياسة بمجرد أن يؤدى الرئيس اليمين الدستورية!
وبدلا من النهج المتشدد تجاه سوريا الذى أشار إليه بايدن، فقد خلص على ما يبدو إلى أن خفض التصعيد يخدم بشكل أفضل مجموعة من الأهداف الجيوستراتيجية المرتبطة بالصراع السورى.
فالاستراتيجية فى سوريا تقوم على الاعتراف الضمنى بأن الرئيس بشار الأسد قد انتصر لأن فريق بايدن يعتقد أنه من خلال التصالح مع هذا الواقع، ستحظى الولايات المتحدة بفرصة أفضل لتزويد سوريا بالمساعدات التى تحتاجها، ومساعدة الشعب اللبنانى الذى يعانى من الفقر، وتغيير العلاقات مع روسيا (لكن يبدو أن هذه الغاية بعيدة المنال الآن بسبب الأزمة الأوكرانية)، وإبعاد سوريا عن إيران.
لتحقيق هذه الغايات، لم تنتقد إدارة بايدن العاهل الأردنى الملك عبدالله عندما اتصل بالرئيس السورى أو عندما زاره وزير الخارجية الإماراتى فى دمشق فى أوائل نوفمبر 2021. ويبدو أن خطة الزعيم الأردنى لاستعادة السيادة والوحدة السورية تتماشى مع نظرة بايدن الشاملة، بالرغم من أن البيت الأبيض لم يوافق على خطة الملك.
وبحسب ما ورد، شارك دبلوماسيون أمريكيون فى الجهود لإنشاء خط الغاز لإرسال الغاز المصرى إلى الأردن ثم إلى لبنان عبر سوريا، مما يوفر الإغاثة للشعب اللبنانى الذى أجبر على التعامل مع الكهرباء المتقطعة من بين العديد من الصعوبات.
هذا النهج ترك أعضاء الكونغرس من كلا الحزبين، الذين سعوا إلى محاسبة الأسد على جرائم الحرب التى ارتكبها، يتساءلون بصوت عالٍ عن سبب وقوف إدارة بايدن جنبا إلى جنب مع الدول العربية، بما فى ذلك مصر والجزائر والبحرين وعمان ولبنان وتونس، بالإضافة إلى ذلك دولة الإمارات العربية المتحدة والأردن، لإعادة تأهيل سوريا.
بداية، تتماشى براغماتية بايدن القاسية فى سوريا مع المصالح الأمريكية فى مكافحة الإرهاب، وتعزيز الأمن الإسرائيلى، وحقوق الإنسان من خلال البحث عن طرق لزيادة تدفق المساعدات. لكن هل يعالج ذلك النهج السبب الجذرى للمشكلة؟ بالتأكيد لا. هل النهج مدعاة للشك؟ نعم بالطبع.
فيجب على أى مراقب أن يعترف بأن الأسد لم يتعامل أبدا مع قضية المساعدات بحسن نية، وغالبا فعل ما يكفى لإبقاء خصومه فى مأزق مع الاحتفاظ بالقدرة على مواصلة السياسات الخبيثة. وبناء عليه، قد تكون استراتيجية بايدن سيئة، لكن على الأقل لديه استراتيجية.
* * *
اليمن هو المكان الآخر الذى تتضح فيه براغماتية بايدن القاسية. حيث كان هناك الكثير من الغضب بين مجموعات حقوق الإنسان والأعضاء التقدميين فى الكونجرس عندما صوت مجلس الشيوخ لصالح صفقة أسلحة بقيمة 650 مليون دولار للمملكة العربية السعودية. قالت الإدارة إن البيع كان من أجل «أسلحة دفاعية»، لكن معارضى ومعارضات الصفقة صرخوا.
إن جماعة الحوثيين التى تشارك فى تحمل المسئولية عن معاناة الشعب اليمنى تقول إن هجماتها بالصواريخ والطائرات بدون طيار على الأراضى السعودية دفاعية. كما يقول السعوديون، المسئولون أيضا عن معاناة الشعب اليمنى، إن غاراتهم الجوية فى اليمن دفاعية أيضا.
هذا النوع من الغموض هو الذى يساهم فى براغماتية بايدن القاسية. حتى كبار منتقدى المجهود الحربى السعودى مثل السيناتور كريس مورفى (ديمقراطى من كونيتيكت) صوت لصالح صفقة الأسلحة؛ لأن، كما زعم، الأسلحة المتجهة إلى المملكة العربية السعودية ستساعد البلاد فى الدفاع عن نفسها.
لكن لنكن واضحين، قطع إمدادات الأسلحة عن السعوديين لن يوقف الحرب فى اليمن بل قد يجعل الأمر أكثر صعوبة بعد مرور بعض الوقت، كما أن الصراع فى اليمن لن ينتهى بقانون من الكونغرس.
فسياسة إدارة بايدن تقوم على الاعتراف بأنه من الصعب للغاية تحويل السعودية إلى دولة منبوذة. والرأى السائد بين محللى السياسة الخارجية فى واشنطن وأعضاء الكونجرس هو أن هناك فرصة لتغيير علاقة أمريكا بالسعودية؛ لأن الرياض بحاجة إلى واشنطن أكثر مما تحتاج واشنطن إلى الرياض، وهذه الحقيقة تمنح الولايات المتحدة نفوذا.
بعبارة أكثر وضوحا، الصراع فى اليمن مروع. ومع ذلك، عندما يتعلق الأمر بالمملكة العربية السعودية، فإن لدى بايدن مشكلة أخرى تقلق بشأن التدفق الحر للنفط وقدرة السعوديين على التأثير فى سعر ذلك النفط، وبالمقابل ما يدفعه المستهلكون الأمريكيون. أثار محللون قلقهم بشأن استقرار شبه الجزيرة العربية وتهديدات الممرات المائية الاستراتيجية مثل مضيق المندب والبحر الأحمر نتيجة انتصار الحوثيين، لا سيما بالنظر إلى صلاتهم بإيران. كل هذا صحيح ومهم، لكن فى سياق مبيعات الأسلحة فهناك حاجة للحصول على مساعدة السعودية (النفط). يود بايدن أن تضخ المملكة العربية السعودية المزيد من النفط لأنه يُقتل سياسيا بسبب التضخم وارتفاع أسعار الغاز.
وبالنسبة إلى نشطاء تغير المناخ، فلن يحدث تغير فى مشهد الطاقة بالسرعة أو السلاسة التى يرغب فيها دعاة حماية البيئة حتى يحدث تحول ثقافى فى الولايات المتحدة. بمعنى ضرورة توقف الأمريكيين عن الاعتقاد بأن لديهم حقا إلهيا فى قيادة شاحنات كبيرة وسيارات دفع رباعى مليئة بالغاز الرخيص، وإلى أن يحدث ذلك ستظل السعودية دولة مهمة بالنسبة للولايات المتحدة.
* * *
صفوة القول، لا يوجد شىء بطولى فى البراغماتية القاسية لبايدن، لكن السياسة الخارجية غالبا ما تدور حول اتخاذ قرارات مشبوهة أخلاقيا. ومع ذلك، يرجع الفضل لبايدن وفريقه فى أنهم منخرطون فى التفكير الاستراتيجى، على عكس منتقديهم ــ بدون استراتيجية!
* ستيفن كوك كاتب وباحث أميركي في العلاقات الدولية
(فورين بوليسى – ترجمة الشروق)