بقلم / سارة السهيل
يعاني مجمتعنا الانساني اليوم من تناحر وحروب وتعصب وكراهية وقطيعة وعداوة بين الناس، وأدت الى جرائم الارهاب البشعة نتيجة تفشي امراض التسلط والقهر وغياب ثقافة الحوار في المجتمع رغم انتشار العلوم والمعارف، وكأننا نعيش عصر الجاهلية في زمن الالفية الثالثة للميلاد !!!
واظن ان قضية تفعيل الحوار بين الافراد والمجتمعات والشعوب والدول من شأنه ان يوظف قدرتنا الثقافية والمعرفية لتحقيق التفاهم والتواصل الانساني والتعاون في حل المشكلات والخلافات المشتركة بروح التسامح والصفاء بعيدا عن العنف والاقصاء.
وبما ان أي حوار يهدف الى معرفة وجهات النظر المختلفة لفهم القضايا الخلافية من زوايا متباينة وتوصيل الحقيقة للآخرعن اقتناع وقبول، وإقامة الحجة ودفع الشبهة والتصدي للأفكار المنحرفة كالأفكار التي تدعو إلى التحريض والتطرف وتبث أسباب الكراهية والفرقة وتهدد وحدة الأمة وتماسكها.
فان القبول بمبدأ الحوار يبدو صعبا للغاية خاصة في ظل انتشار الانانية والتعصب للرأي ونتيجة حتمية لغياب ثقافة الحوار كسلوك انساني نتبادله في حياتنا اليومية كما نتبادل الماء والهواء ولقمة العيش.
ثقافة الحوار
الحوار عندما تتشربه المجتمعات يكون جزءا اصيلا من تفكيرها ونمط سلوكها اليومي، وقد تجلت قيمة الحوار كثقافة انسانية ضروية ملحة في ألفيتنا الثالثة للميلاد، خاصة بعد ثورة تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، وبذلك صار قبول الآخر والحوار معه ضرورية كونية فرضتها معطيات عصرنا.
فالثقافة الكونية التي نعيش معطياتها فرضت علينا جميعا بحث سبل العيش معا في قرية كونية صغيرة وفق حوار انساني وحضاري، وهنا فان ” ثقافة الحوار” في زماننا قد اتسعت رقعتها لاقصى مدى، فهي تقوم على قاعدة رؤية تشمل المخالفين لنا وتلتمس لهم الأعذار وتعطي لهم الحق في الاختلاف والتعبير.
والمفهوم الواسع لثقافة الحوار يشمل كل العملية التعليمية في المدراس او الجامعات، فلم يعد التعليم قاصرا على تعلم المعرفة وتعلم التطبيق، بل امتد لتعلم كيفية ان نعيش مع الآخرين ونحاورهم.
ووفقا لهذا الاتساع لدائرة ثقافة الحوار، فان التقارب الفكري والثقافي بين الشعوب والحضارات صار ضرورة حياتية لتحقيق التعايش الانساني المشترك، فنحن بنو البشر محتاجين لبعضنا لفهم الحقيقة وانه لا يمكن لأحد بمفرده ان يمتلكها، مما يعني ضرورة الاعتراف بقيمة الآخر وقدرته، وان الحوار معه هو جزء اصيل من أخلاقيات التفاهم الدولي وبناء أسس التعايش السلمي.
ثقافة الحوار ضرورة
ومن هنا يجب تكريس ثقافة الحوار عبر المؤسات المختلفة بدءا من مؤسسة الاسرة عبر الحوار المتكافئ بين الوالدين وتوريثه للابناء وتوجيهم خلال مراحل التنشئة، مرورا بالمؤسسات الدينية كالمسجد والكنسية بحيث تتضمن الخطب الوعظ موضوعات تكرس لقبول الاخر وفن التفاهم معه على أسس من الحوار الراقي المقنع بالحجة والبرهان.
وكذلك الحال داخل المؤسسة التعليمة وصولا للجامعة فيجب ان تغرس قيم الحوار كأساس للعلاقات الانسانية التي تنفتح على الاخر وتقبل الاختلاف معه على ارضية التفاهم المشترك
اما بالنسبة للمؤسسة الاعلامية بكل قنواتها الحكومية وحتى مواقع التواصل الاجتماعي، فلها دور كبير في توجيه الشعوب تجاه القضايا المحلية والعالمية، ولذلك يجب فيمن يتصدى للعمل الاعلامي ان يكون ملتزما بأداب الحوار وثقافته لينتقل ذلك تباعا الى الملتقي فيصبح سلوكه حضاريا.
وكذلك دور المؤسسات السياسية الحكومية او المعارضة، حيث يجب ان يكون لها دور كبير في ترسيخ قيم الحوار في نفوس المواطنين؛ لانهم يتكلمون بإسم الشعب. فينبغي على السياسي ان يلتزم بمبادئ النقد البناء وان يتحلى بقيم التسامح ونبذ خطاب العنف والتطرف بشكل يعزز فكرة قبول الحوار كبديل للعنف واقصاء الخصوم السياسيين ومبدأ العيش المشترك كوسيلة للتنمية والتطور. وأظن ان غياب ثقافةالحوار في بلادنا العربية حولتها الى ارض محروقة ينبت فيها النبات الشيطاني والارهابي فقضي على الامن والاستقرار، وعلى ذلك يبقى الحوار هو الضامن لمجتمعات آمنة ومستقرة.
سارة السهيل