رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن فقه العدل بين الأبناء
بقلم \ المفكر العربي الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
الرئيس التنفيذي لجامعة بيرشام الدولية بأسبانيا
ممالا شك فيه أن العدل لا يتوقف على القضاة والحكام فقط، ولكن العدل يشمل كل فرد مسلم يريد أن يقيم شرع الله عز وجل، والعدل بين الأبناء يدخل تحت صفة العدل بشكل عام، وخاصة العدل بينهم في التربية، وهذا ما يحث عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام أحمد والنسائي: ((اعدلوا بين أبنائكم، اعدلوا بين أبنائكم، اعدلوا بين أبنائكم)) ثلاث مرات، وبذلك دعا رسول الله إلى العدل بين الأبناء، وعدم التفريق والتمييز بينهم في المعاملة؛ لأن التمييز بين الأبناء دائمًا ينعكس بصورة سلبية على الأبناء والأسرة، ويؤدي في النهاية إلى خلق مشكلات بين الأبناء، وزرع الكره في نفوس الأبناء تجاه إخوتهم.
من ناحية أخرى، تعتبر الأسرة هي النواة الأولى التي تصطدم اصطدامًا مباشرًا بالطفل، والمسؤولة الرئيسية عن نشأة الطفل المسلم، وهنا يأتي دور الأسرة الرئيسي في إنشاء جيل مسلم إيجابي ومبادر، يستفيد منه المجتمع في المستقبل، وذلك من خلال اهتمام الأسرة بالتربية الصحيحة والصالحة للأطفال منذ الصغر، حتى يستكملوا مسيرة الصالحين من قبلهم، ويسلموها صالحة لمن بعدهم.
العدل بين الأبناء ومخاطر التمييز بينهم:
أن موضوع العدل بين الأبناء من سنن النبي صلى الله عليه وسلم، حيث قال: ((اتقوا الله واعدلوا بين أبنائكم؛ فإني لا أَشْهَد على جَوْر))، مضيفًا أنَّ موضوع التفرقة بين الأبناء في التربية والتمييز بينهم هو موضوع قديم جدًّا، بمعنى أن كل المعلومات النفسية والأبحاث التي طُبِّقت على الآباء في علم النفس الاجتماعي منذ مائة عام وحتى هذه اللحظة أيضًا تبرز مشكلات التفرقة بين الأبناء في المعاملة، مؤكدًا أن ذلك له أثرٌ سلبيٌّ واضحٌ على الأبناء؛ بحيث يخلق نوعًا من كُرْه الأطفال لبعضهم البعض، وهذا يرجع إلى تفضيل أحدهم على الآخر.
وفي الأغلب يقوم الآباء بالتفرقة بين أبنائهم بناءً على أكثر من محك أو سبب، الطفل ذكر أم أنثى، وعلى ذلك يقوم الآباء بالمفاضلة بينهم، الطفل الجميل والأقل جمالاً، المحبوب والأقل تعلقًا بالآخرين، الأبيض والأسمر، والمتفوق في الدراسة والأقل تفوقًا، كل هذه الأسباب من الممكن أن تؤدي إلى تعامل الآباء مع الأبناء بطريقة مميزة عن الآخر قائلاً: كل هذه الأنواع تؤدي إلى استشعار الطفل الذي يتم تفضيل أخيه عليه بالسلبية والانطوائية.
والواقع أن هناك نوعًا من الآباء يمارسون العكس مع أبنائهم؛ حيث يقومون بتفضيل الابن الأكثر شغبًا أو الأقل جمالاً، وهذا يؤكد أن هناك نوعًا من التناقض الأسري، وعدم التوازن السلوكي في الأسرة بين السلوك المرغوب في اتباعه والسلوك غير المرغوب في اتباعه مع الأبناء.
وأوجه رسالة إلى جميع الآباء أنه إذا كانت لديك محبة أكثر تقع في قلبك لطفل من أبنائك مقارنةً بآخر، فلا بأس أن تستمتع بهذا، لكن احذر أن يكون هذا قابلاً للملاحظة المباشرة من الأبناء؛ لأنه في نهاية الأمر من حق كل طفل في المنزل أن يُعامَل معاملة متساوية مع الآخر من جهة الأب والأم، حتى وإن كان بدينًا، أو ضعيف التحصيل في الدراسة، أو غير ذلك، لا يعطي للأب الحق أن يعامله معاملة أقل من معاملة الآخر؛ لأن هذه الحقوق كانت وما زالت ينص عليها الإسلام في كل زمان ومكان.
دور الأسرة في تربية الطفل المسلم
إن الأسرة هي الأساس والبنية الأولى المسؤولة عن الطفل منذ صغره، موضحًا أنه لبناء جيل إسلامي صالح، يجب أن يهتم الرجل أولاً باختيار الزوجة الصالحة ذات الأخلاق والتدين، وغير ذلك، تأكيدًا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((تُنكَح المرأة لأربع؛ لمالها، ولحسَبها، ولدينها، ولجمالها، فاظفر بذات الدين ترِبَتْ يداك))؛ وذلك لأن الزوجة الصالحة تهتم بتربية طفلها حتى تجعله صالحًا مثلها، وخاصة أن الأسرة لا يمكن أن تقوم بدون زوجة؛ لأنها النصف الثاني للأسرة بجانب الرجل؛ ولذلك يجب على الرجل قبل التفكير في تربية نشء مسلم أن يُحسِن اختيار الزوجة الصالحة، حتى تُعينه على تربية أولاده تربية سليمة وصحيحة طبقًا لتعاليم الدين الحنيف.
كما حثَّ الإسلام أيضًا الآباء على حُسْن اختيار الرجل الكفء، المتدين، صاحب الأخلاق الكريمة لبناتهم، حتى يستطيع حَمل الأمانة الثقيلة، مشيرًا إلى أن الخطوة الأولى في تنشئة طفل صالح، هي حُسن اختيار الزوج والزوجة، اللذين سوف يخرج هذا الطفل من ظهرهما؛ لأن كل مولود يولد على فطرة أبويه، طبقًا لما جاء في صحيح البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حيث قال: ((ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يُهوِّدانِه أو ينصِّرانه أو يمجِّسانه))؛ لذلك يجب التمعن في اختيار كل شريك للآخر؛ لأن كُلاًّ منهما سوف يشترك مع الآخر في إعداد جيل ناشئ يتربى على تعاليم الدين الإسلامي، ولا ينحرف عنها في كِبَره.
أن على الأسرة أن تقوم بإعداد وتدريب وتربية الأطفال منذ الصغر على بعض الأشياء التي تساعدهم في التنشئة الإسلامية الصالحة، منها: حثُّهم على حُب الله عز وجل ورسله، بداية من سيدنا آدم عليه السلام حتى خاتم المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم، ونطق الأطفال الشهادتين كل يوم، وتذكيرهم بالله عز وجل، والثواب والعقاب، والجنة والنار، والحساب، ودفعهم للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والعمل على تحفيظهم القرآن الكريم منذ الصغر، وأن يتدبروا آياتِه وينفذوا تعاليمه؛ كالصلاة عند بلوغ سن الصلاة، والوضوء والتيمم، وغيرها من الأحكام التي ينص عليها القرآن الكريم، كما يجب على الوالدين تربية الأبناء على حُسن الخُلق، والإخلاص في العمل، وغيرها من الأمور التي يجبُ ألا يُغفلها الوالدان عند تربية أبنائهم.
إن المرحلة التي يجب أن يُطلَق عليها مرحلة التربية، هي مرحلة الطفل منذ ولادته حتى السابعة من عمره، غير ذلك تكون قد فاتت مرحلة التربية الحقيقية للطفل، لافتًا إلى أن شخصية الطفل الحقيقية تتشكل وتبنى في هذه السنوات الأولى، ولأن الأسرة هي المعلم الأول للطفل، يقع عليها العاتق الأكبر في تنشئة هذا الطفل، وهذا يرجع إلى الأسرة؛ إما أن تجعله طفلاً ذا شخصية إيجابية ومبادرة، ويمكن الاعتماد عليه في المستقبل بحيث يستفيد منه المجتمع، وإما أن تجعله يتمتع بصفات سلبية عديدة، وغير محبوب من الآخرين.
والواقع أنه من المستحيل أن ينشأ الطفل سليمًا دون رعاية أو تربية، وكما قال الإمام الغزالي رحمه الله: “الصبي أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة خالية عن كل نقش وصورة، وهو قابل لكل نقش، ومائل إلى كل ما يُمال إليه، فإن عُوِّد الخير نشأ عليه، وسعد في الدنيا والآخرة أبواه، وإن عُوِّد الشر وأُهْمِلَ إهمال البهائم، شقي وهلك، وكان الوِزر في رقبة القيِّم عليه”.
على أنه يجب على الأسرة الاهتمام بأبنائها منذ الصغر لأن هؤلاء الأولاد أمانة وضعها الله في أعناقهم، وسوف يُحاسَبون عليها، مشيرًا إلى أنَّ الأُسَر يجب أن تُعلِّم أطفالها منذ الصغر معرفة الله عز وجل، والتمسك بشرعه، ومحاسبة أنفسهم أولاً بأول على تقصيرهم إذا أخطؤوا، كما يجب أن يعلم الأطفال أن الحسنة بعشر أمثالها، ومن خلالها يدخلون الجنةَ في الآخرة، وأن السيئة تَزُجُّ بهم إلى جحيم الله بعد قيام الساعة.
[cov2019]