روسيا واستعمال السلاح النووي
استعمال السلاح النووي التكتيكي وارد من طرف أمريكا أو روسيا أو أي دولة نووية نجحت في إنتاج السلاح التكتيكي.
استعمال السلاح النووي يعني عملية تدمير بمقاييس مشابهة لما جاء ذكره في نبوءات دينية من قصص مرعبة حول نهاية العالم.
يبقى استعمال السلاح النووي ليس مستبعدا، بل مستحيلا الآن وربما في المستقبل، لأنه يعني مرحلة جديدة في تاريخ البشرية لا عهد لها به.
روسيا مستعدة لاستعمال السلاح النووي للدفاع ضد أي اعتداء يهدد وجود دولة حليفة لموسكو، ولا يُعرف أي دول تقصد موسكو بالحلفاء.
العقيدة النووية الروسية ليست جديدة، بل تعود إلى فترة نجاح الاتحاد السوفياتي في الحصول على القنبلة النووية، في أول تجربة يوم 29 أغسطس/آب 1949.
القوة التدميرية للسلاح النووي التكتيكي محدودة، إذ يجري استعماله ضد تحصينات قوية، وضد ثكنات عسكرية وتجمعات للقوات العسكرية، أو سفن حربية كبيرة.
تلويح موسكو بالسلاح النووي بمناسبات متعددة جزء من ثقافة الردع التي ورثتها نتيجة لما كانت ستتعرض له بعد الحرب العالمية الثانية من أبشع مجزرة في تاريخ البشرية.
تتشابه العقيدة النووية الأمريكية مع الروسية، وتهدد واشنطن باستعمال السلاح النووي للدفاع عن بعض حلفائها، ووعد بايدن مؤخرا بالدفاع عن اليابان نوويا إذا تعرضت لهجوم.
* * *
كان تصريح من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتوفر روسيا على الأسلحة النووية واستعمالها في وقت الضرورة القصوى، كافيا لزرع الهلع وسط شريحة كبيرة من الرأي العام خاصة في الغرب.
وهو هلع فاقمته وسائل الإعلام الغربية، في حين يبقى استعمال السلاح النووي ليس مستبعدا، بل مستحيلا الآن وربما في المستقبل، لأنه يعني مرحلة جديدة في تاريخ البشرية لا عهد لها به.
وبين الحين والآخر، يذكّر بوتين العالم العربي بتوفر روسيا على أسلحة نووية، ويتم التركيز على العقيدة النووية الروسية. وهذه العقيدة ليست جديدة، بل تعود إلى عقود، إلى فترة نجاح الاتحاد السوفياتي في الحصول على القنبلة النووية، في أول تجربة يوم 29 أغسطس/آب من سنة 1949.
وقامت موسكو بتجديد هذه العقيدة في خطاب للرئيس فلاديمير بوتين يوم 1 مارس/آذار 2018، عندما أكد أن روسيا مستعدة لاستعمال السلاح النووي للدفاع ضد أي اعتداء يهدد وجود دولة حليفة لموسكو، ولا يُعرف أي دول تقصد موسكو بالحلفاء، وقد تكون من بين هذه الدول دولتان عربيتان وهما الجزائر وسوريا.
وتوجد مؤشرات أولية وهي: تدخلت روسيا في سوريا لمنع انهيار نظام بشار الأسد، ولتجنيب هذا البلد التفكك. وعملت على تزويد الجزائر بأسلحة متطورة للغاية من صواريخ من نوع إسكندر وكاليبر، ومضادات للطيران والصواريخ من نوع أس400، كعامل ردع لأي مغامرة غربية بالتدخل في هذا البلد المغاربي بعد سقوط نظام معمر القذافي سنة 2011، إبان فترة «الربيع العربي».
وبدورها، تتشابه العقيدة النووية الأمريكية مع الروسية، وتهدد واشنطن باستعمال السلاح النووي للدفاع عن بعض حلفائها، كما ذهب مؤخرا الرئيس جو بايدن بالدفاع عن اليابان نوويا إذا تعرضت لهجوم.
ويعتبر تلويح موسكو بالسلاح النووي في مناسبات متعددة، جزءاً من ثقافة الردع، التي ورثتها كنتيجة لما كانت ستتعرض له بعد الحرب العالمية الثانية من أبشع مجزرة في تاريخ البشرية.
بعد هذه الحرب، درست أمريكا وبريطانيا، نهاية الأربعينيات إمكانية شن حرب على روسيا للقضاء على النظام الشيوعي، ووضع قائد القيادة الاستراتيجية الجوية وقتها الجنرال كورتيس ليماي، مخططا جهنميا يقضي بإلقاء 300 قنبلة نووية و29 ألف قنبلة كلاسيكية ضد روسيا، وبعض عواصم أوروبا الشرقية لتدمير 85% من القوة الصناعية لروسيا والدول التي تدور في فلكها.
وكان هذا الجنرال هو الذي أشرف على ضرب اليابان في الحرب العالمية الثانية بقنبلتين نوويتين، هيروشيما وناغازاكي سنة 1945. وقامت موسكو ولندن بتجميد هذا المخطط بعدما أجرت موسكو أول تجربة نووية لها سنة 1949 وتلتها تفجيرات نووية مرعبة.
بإجراء الاتحاد السوفياتي أول تفجير نووي، لم يعد السلاح النووي في يد الغرب سلاحا هجوميا، بل تحول للدفاع والردع، وأصبح شن هجوم نووي ضد أي بلد عملا صعبا، إن لم يكن مستحيلا.
لأن استعمال السلاح النووي يعني عملية تدمير بمقاييس مشابهة لما جاء ذكره في الأديان من قصص مرعبة حول نهاية العالم. إذ أن كل عملية تفجير واحدة، تعني بدء سلسلة من التفجيرات اللامتناهية حتى القضاء على آخر قنبلة نووية.
وهذا سيترجم بموت مئات الملايين في اللحظات الأولى وربما نصف البشرية أو أكثر في العقود اللاحقة، وتدمير معظم مراكز الحضارة الإنسانية.
ولهذا، يبقى استعمال السلاح النووي أمرا مستحيلا، لن تجرؤ أي دولة على استعماله، إلا إذا أصبح وجودها واستمرارها ككيان مهددا، بمعنى عدم الاستمرارية، غير أن استعمال السلاح النووي التكتيكي وارد جدا، سواء من طرف أمريكا أو روسيا أو أي دولة نووية نجحت في إنتاج السلاح التكتيكي.
وتعد القوة التدميرية لهذا السلاح محدودة، إذ يجري استعماله ضد تحصينات قوية، وضد ثكنات عسكرية وتجمعات للقوات العسكرية، أو سفن حربية كبيرة عكس السلاح النووي الكلاسيكي، الذي يجري استعماله لتدمير مدن بالكامل.
ومن ضمن الأمثلة، كانت الولايات المتحدة تهدد إيران باستعمال السلاح النووي التكتيكي لتدمير المختبرات النووية المحصنة تحت الأرض، إذا استمرت طهران في مشروعها النووي.
ويعتقد الغرب أن تهديد بوتين باستعمال السلاح النووي، كان يقصد به أساسا ضرب مواقع حساسة في أوكرانيا، إذا أقدم الغرب على تزويد الجيش الأوكراني بصواريخ باليستية، لاستهداف القوات الروسية في إقليم دونباس. وهذا يعني رد موسكو بقوة تدميرية أكبر بعشرات المرات، إذا ما جرى استعمال هذه الصواريخ الباليستية.
وسارعت الولايات المتحدة الى تهدئة الكرملين بأن الغرب لن يسلم أوكرانيا صواريخ باليستية، بل يرفض عدد من الدول الأوروبية تسليم أوكرانيا حتى أسلحة كلاسيكية، مثل حالة ألمانيا التي لا تريد تزويد الجيش الأوكراني بدبابات ليوبارد.
ويبالغ الغرب في الحديث عن تهديد الكرملين بأسلحة نووية حتى يوحي بأن القوات الروسية في أوكرانيا أصبحت محاصرة ولا نجاة لها سوى باللجوء إلى السلاح النووي، أو على الأقل التكتيكي منه.
والواقع أن هناك قراءة مبالغة لها في ملف جمود التقدم الروسي في أوكرانيا، فقد أعلن الكرملين أن الهدف من العملية العسكرية هو استقلال إقليم الدونباس، والقضاء على البنية العسكرية الأوكرانية، وإنهاء ما يصفه «بالنظام النازي» في كييف.
ولم يعد ينتمي الدونباس الى أوكرانيا، وجرى تدمير معظم البنية العسكرية لهذا البلد، بينما لم يتم تحقيق إسقاط رئاسة فلولوديمير زيلنسكي.
ولهذا، يبقى الحديث عن استعمال السلاح النووي الروسي حاليا جزءا من التذكير بالردع من روسيا، وجزءا من التوظيف أو التغليط من وسائل الإعلام الغربية.
* د. حسين مجدوبي كاتب وباحث مغربي
حرب أوكرانيا أمريكا الردع روسيا الاتحاد السوفياتي السلاح النووي العقيدة النووية
(القدس العربي)