“سيدة العشّة”.. عاشت نصف عمرها بمفردها
“سيدة العشّة”.. عاشت نصف عمرها بمفردها
كتبت: هبة رمضان
“الحاجة عطيات” أو كما يدعوها البعض بـ “أم غريب” على رغم أنها لم تنجب، عجوز مصرية سبعينة، تعاني الوحدة والفقر والمرض، قُدِّرَ لها استكمال الحياة بمفردها، بعد وفاة زوجها لكنّها تميزت بعزة نفس.
تقول “أم غريب” إنها عاشت حياة صعبة منذ الصغر، توفى والدها وهى صغيرة، وعاشت مع والدتها حياة شاقة، متنقلة بين أكثر من عمل من أجل تربيتها هى وأخيها، حتى وصلت “عطيات” إلى سن الزواج، وتقدم لخطبتها شاب “أرزقي” لديه عشّة كانت منحة من شخص ميسور الحال كان يعمل لديه في زراعة أرضه بدون أجر لفترة.
تزوجته عطيات ابنة 19 عاماً بالفعل من هذا الشات في تلك العشّة، وظلّت فيها حتى الآن، وتقول: “مليش مكان غيرها في الدنيا”.
عشّة “أم غريب” عبارة عن غرفة بالطوب اللبن، مسقوفة بالقش والحطب الذي تسببت الشمس والأمطار في تآكله، فاصبحت الغرفة شبه مكشوفة للسماء، ومخبئاً للفئرات والحشرات.
تحتوي العشة على وسادتين من القش وملابس قديمة مع قليل من الأواني المستخدمة في إعداد الطعام، فقد عاشت سنوات طويلة في مشقة وأسى، تتنقل بين عمل وآخر لجمع قوت يومها.
تكمل قائلة.. “لم أرزق بأبناء، مات زوجي قبل 27 عاماً وتركني وحيدة بلا مال ولا عمل.. بموته فقدت شخصاً كنت أعتبره أهلي وسندي في الحياة فلم يعد لى أحد في الدنيا خاصة بعد وفاة والدي ووالدتي”، وأدركت أنه لا سبيل أمامها سوى الاعتماد على نفسها في كل شيء، وألا تسمح لأحد بأن يستغلها بسبب وحدتها وفقرها.
عملت الحاجة عطيات في الكثير من المهن بعد وفاة زوجها، في الزراعة وبيع الحلوى والتسالي، لكنَّ المهنة التي استمرت فيها طويلًا هي إعداد المشروبات الساخنة في الأفراح، كما عملت أيضًا كمسحراتي في قريتها والقرى المجاورة في شهر رمضان.
تقول: “الشرف أهم حاجة في الدنيا.. لما كنت بروح أعمل شاي في الأفراح كنت بشيل سكينة معي علشان أنا راجعة بليل في وقت متأخر، لو حد اعتدى عليَّ أقدر أدافع عن نفسي.. الفقر مش عيب، لكن العيب إني أبيع نفسي وأتنازل عن أخلاقي وشرفي حتى لو مش هلاقي الأكل”.
عندما كانت تعمل كمسحراتي وتخرج ليلًا لإيقاذ أهل قريتها والقرى المجاورة.. كانت ترتدي زياً رجالياً لإيهام الناس أنها رجل، حتى لا يستضعفها أحد، كما تقول.
“عمري ما مليت من عيشتي ولا زهقت من الفقر والوحدة.. أنا ربنا مديني نعمة الرضا والصبر اللي مخليني مستحملة كل ده لحد الآن”.
كانت في فترات سابقة تربي خرافاً وتبيعها حتى تجمع المال لزيارة بيت الله الحرام، وتمكنت من الاعتمار أربع عمرات على سنوات متباعدة، بعد ذلك غلبها المرض ووصلت لسن كبيرة، لم تعد تستطع معه أن تعمل ما كانت تفعله سابقاً، فمكثت في عشتها تنتظر قضاء الله لها، تعاني أمراضاً ليست بهينة، ومع ذلك لم تتناول الدواء، ولم تزر طبيباً، مستطرد: “أنا مش عاوزة أخذ دواء أنا كدا عايشة مبسوطة ومستنية أجلي في أي وقت”.
تحكي عن كيفية قضاء يومها الآن، وتقول إنها تقوم في الفجر بجمع الماء من الجيران وتتوضأ في عشتها وتصلي إلى أن تشرق الشمس، ثم تقوم بتنظيف عشتها وعمل الوجبة اليومية لها، وتخرج للجلوس أمام عشتها وحدها إلى أن يأتي جيرانها للجلوس معها وتسليتها بعض الوقت، وحين يخيم الظلام على القرية تدخل عشتها لتنام.