ضبط الخطاب ومعرفة المعاني
ضبط الخطاب ومعرفة المعاني
هدف تحليل الخطاب ضبط اللغة لإحكام معاني الألفاظ دون الوقوع في الإنشاء.
ينبغي معرفة المعاني الواضحة ضد مخاطر الاشتباه ورصد البواعث والمقاصد في الخطاب لمعرفة مساره وتوجهاته.
الهدف من منهج تحليل المضمون أخذ كل الدلالات اللغوية والمعنوية والواقعية والفعلية للخطاب طِبقاً لأبعاده الأربعة.
إحكام الخطاب العربي المعاصر لدفع مزاعم أن العرب ظاهرة صوتية وحضارتهم نصية ووعقليتهم تأويلية ولا يحسنون غير الكلام وبضاعتهم الكلام.
تحليل المضمون منهج أشمل يضم مناهج ثلاثة: تحليل الألفاظ وتحليل المعاني وتحليل الأشياء لتحليل الأفعال ووصف علاقة الإنسان بعالمي الإنسان والطبيعة.
* * *
تقديم الكاتب والباحث الدكتور/ مازن النجار
تطرقنا سابقا إلى ثلاثة مناهج في تحليل الخطاب هي: تحليل الألفاظ، وتحليل اللغة، تحليل الأحلام.. في هذا المقال نتناول منهج تحليل المضمون، وهو المنهج الأشمل والأعم الذي يضم المناهج الثلاثة السابقة، تحليل الألفاظ، وتحليل المعاني وتحليل الأشياء من أجل تحليل الأفعال ووصف علاقة الإنسان بالكون، أي العالمين الإنساني والطبيعي.
فالكلام اسم وفعل وحرف، أي أشياء وأفعال وعلاقات، يحيل بالضرورة إلى العالم الخارجي. والاسم نكرة أو معرفة، النكرة يتكرر بلا هوية خاصة والمعرفة مفرد لا يتكرر. وهو بسيط أو مركب يشير إلى شيء واحد أو إلى شيئين مضافين. وهو مفرد أو مثنى أو جمع، مذكر أم مؤنث، ويُضاف إلى ضمائر الملكية.
ولضمائر الملكية دلالات خاصة إذا كانت للمتكلم أو للمخاطب أو الغائب، للفرد أو الجمع. فالمال لا يضاف إلى ضمير المتكلم إلا مرة واحدة ويصيغه السلب «هلك عني ماليه»، في حين أنه يضاف جمعاً إلى ضمير الغائب عشرات المرات «أموالهم»، مما يدل على أن الأموال للملاك الغائبين.
وقد يرفع الاسم أو ينصب أو يجر حسب وضعه فاعلاً أو مفعولاً أو مجروراً. والفاعل أقوى من المفعول، والمفعول أضعف من الفاعل. والفعل له زمان، ماض وحاضر ومستقبل، لسرد التاريخ أو وضع الحقائق أو التحذير من العاقبة.
ويضاف أيضاً إلى الضمائر، المتكلم والمخاطب والغائب، المفرد أو الجمع، وأكثرها الغائب تلبية لمجموع البشر. كما أن للتكرار دلالته على أهمية الموضوع.
فالاسم الذي لا يتكرر ليس محوراً في الفكر مثل لفظ «زهد» الذي ذكر واحدة سلباً «كانوا فيه من الزاهدين». واسم الفاعل أقوى من اسم الفعل، لأنه يدل على الفاعلية، والمصدر الصريح أقوى من المصدر المؤول.
والحرف له دلالته على العلاقة مثل لفظ «مال» الذي يتكون من حرف صلة «ما» وحرف الجر «ل». فالمال ليس جوهراً بل علاقة، أي وظيفة اجتماعية، مما ينفي شكل الملكية المباشرة.
كما أن للسياق معناه الذي تنتج تحته معاني الألفاظ، وهو ما يسمى فحوى الخطاب، المعنى المباشر له أو لحن الخطاب، ما يستفاد من إيحاءاته وإيماءاته وإشاراته.
والجملة الاسمية تبدأ بالجواهر، والفعلية بالأفعال للدلالة على العالم الموضوعي ثم العالم الذاتي. وتكشف صيغ الكلام عن الجملة الشرطية للدلالة على توقف الفعل على فعل آخر، أي الاعتماد المتبادل، والجملة الرئيسية والجملة الفرعية لأن الكلام له قلب وأطراف.
والصيغ الإنشائية كلها، الاستفهام والتمني والتعجب، تدل على الجانب الذاتي في الكلام في حين تدل الصيغة الخبرية على الجانب الموضوعي فيه. والتقديم والتأخير لهما دلالتهما في أهمية المقدم، اسماً أو فعلا أو حرفاً.
إن الهدف من منهج تحليل المضمون هو أخذ كل الدلالات اللغوية والمعنوية والواقعية والفعلية للخطاب طِبقاً لأبعاده الأربعة، ووضع النص في سياقه الاجتماعي وفي آلياته الاتصالية، ومعرفة النص بأكبر قدر من الموضوعية والشمول من أجل العثور على بنية الفكر وهي نفسها بنية الموضوع. وهو نوع جديد من التطابق كضمان للموضوعية، بين الفكر والواقع، بين المعرفة والوجود.
الهدف إذن من تحليل الخطاب هو ضبط اللغة من أجل إحكام معاني الألفاظ دون الوقوع في الإنشاء، ومعرفة المعاني الواضحة ضد مخاطر الاشتباه، ورصد البواعث والمقاصد في الخطاب لمعرفة مساره وتوجهاته. ومن ثم يمكن المساهمة في إحكام الخطاب العربي المعاصر ودفع الاتهامات بأن العرب ظاهرة صوتية، وأن حضارتهم نصية، وأن عقليتهم عقلية تأويلية، وأنهم لا يحسنون غير الكلام وبضاعتهم الكلام. وعلى أفضل تقدير سيظلون شعراء لا علماء.
* د. حسن حنفي أستاذ الفلسفة بجامعة القاهرة