تزامن صعود موجة المحافظين الجدد بأمريكا مع موجة تطرف بالعالم الإسلامي. كلا الموجتين والجانبين قريبا الصلة واستفادا من المبالغة في حجم الخطر الآتي من «الآخر». خلاصة وثائقي «قوة الكوابيس» أن الساسة المغرضين بدلاً من أن يحققوا آمالنا «يعدون بحمايتنا من الكوابيس».
* * * تقديم الكاتب الصحفي الدكتور اشرفالسعدني **
انطلق آدم كيرتز، الكاتب والمنتج والمخرج وصانع الأفلام الوثائقية الإنجليزي، من نتائج استطلاع للرأي أجري في نهاية عام 2017 حول توقعات الناس لما سيكون عليه القرن القادم؛ القرن الثاني والعشرون، ليقارنها بالآمال التي قيلت ونشرت في نهاية القرن العشرين، لما نريد أن يكون عليه القرن الحادي والعشرون الذي قطعنا فيه، حتى الآن، عقدين كاملين. لاحظ كيرتز أنه طبعت الآمال الموجهة نحو القرن الحادي والعشرين، شحنة من التفاؤل والثقة، والتعويل على أن البشرية ستتعلم من تجارب القرن العشرين المريرة، لتتفادى كوارث عرفها ذلك القرن، بينها حربان عالميتان مدمرتان، فضلاً عن حروب أخرى في غاية البشاعة في مناطق مختلفة من العالم، فيما أظهر المشاركون في استطلاع 2017، حالاً من عدم اليقين في المستقبل؛ بل وميلاً إلى التشاؤم. يمكن لبعضنا إبداء ملاحظة على أن القرن الثاني والعشرين ما زال بعيداً، وأن أغلبية البشر «العائشين» اليوم لن يبلغوه، وهي ملاحظة وجيهة بالقطع، فالمسافة الزمنية الفاصلة بيننا وبين القرن القادم تجعل من المتعذر توقع ما سيكون عليه العالم حينها، لكن هذه الملاحظة لا تنفي أبداً أن مستقبل العالم بعد عقد أو عقدين من الآن حكماً مما هو عليه واقعنا الراهن غير باعث على التفاؤل. حتى أشدّ المتشائمين في نهاية القرن الماضي لم يتوقعوا أن يجلب لنا القرن الجديد في نهاية عقده الثاني جائحة بخطورة «كورونا»، أو على الأقل لم يتوقع أحد أنها ستكون وشيكة إلى هذا الحد، ولكن هذه الجائحة على هول ما ترتب، وما زال يترتب عليها، من خسائر بشرية واقتصادية ومتاعب نفسية، ليست هي بالضرورة الخطر الأكبر الذي يهدد عالم اليوم وحياة البشر على كوكبنا. ولأننا انطلقنا من قول لآدم كيرتز، حري بنا الوقوف هنا عند واحد من أهم أفلامه، هو «قوة الكوابيس»، الذي يشي عنوانه بهول ما يتناوله؛ بل إن العنوان الفرعي للفيلم يفصح عن ذلك (صعود سياسات الخوف)، وفي حينه امتنعت محطات التلفزة الأمريكية عن عرض الفيلم الذي كان في ثلاثة أجزاء، ولكنه ترك أصداء عالمية واسعة عند عرضه على محطات أوروبية. اللافت للنظر أن كيرتز توقف بعناية أمام تزامن صعود موجة المحافظين الجدد في أمريكا، مع صعود موجات التطرف في العالم الإسلامي، ليخلص إلى أن كلا الجانبين قريبا الصلة، وانهما استفادا من المبالغة في حجم الخطر الآتي من «الآخر». وخلاصة الفيلم هي أن الساسة المغرضين، وبدلاً من أن يحققوا آمالنا، «يعدون بحمايتنا من الكوابيس». *
[cov2019]