فلسطين بين شعارات العرب وواقعية الغرب
تبنى الغرب منذ بداية القرن العشرين ضرورة إقامة دولة خاصة باليهود في الشرق الأوسط، في فلسطين.
إسرائيل مشروع استعماري للغرب، وهذا الأخير بدفاعه عن الكيان، فهو يدافع عن الاستعمار مباشرة، وعن حرب الإبادة وعن ضرب القانون الدولي.
عمل الغرب وهو القوة الاستعمارية في العالم العربي، وأساسا فرنسا وبريطانيا. وأشرف الغرب على إنشاء الكيان الصهيوني، وحرص على تعزيز مكانته.
يجب على الرأي العام الفلسطيني وقواه الحية، المطالبة بإبعاد من يعمل من الأنظمة العربية طابورا خامسا لإسرائيل عن التحدث باسم القضية الفلسطينية.
يمكّن الغرب الكيان الصهيوني من كل أسباب القوة والتفوق على جيرانه لجعله يحقق الأمن القومي، نظرا للقوة العسكرية التي يتمتع بها، حتى يتفادى الهزيمة في أي مواجهة،
مهما قام الكيان الصهيوني بخرق القوانين الدولية، فالغرب الرسمي يحمي الكيان من أي عقوبات باستغلال ثغرات قانون الأمم المتحدة القائم على عدم توازن القوى والموازين في العالم حاليا.
فلسطين قضية تحرير، ومواجهة للاحتلال، لكن غالبية الأنظمة العربية، والكثير منها كان حتى الأمس تحت الاستعمار، لا يستطيع الانتقال من شعارات الوحدة والتحرر إلى أرض الواقع.
ينبغي الرهان على ائتلاف دولي من أنظمة ودول ذات شرف وطني حقيقي مثل بوليفيا وكولومبيا والصين وجنوب افريقيا التي أبانت عن مواقف مشرفة ضد حرب الإبادة هذه.
* * *
تكشف حرب الإبادة التي يشنها الكيان على الشعب الفلسطيني، خاصة في قطاع غزة عن واقع مرّ وصارخ في التناقض بين غرب رسمي وواقعي في مواقفه والسياسة التي يطبقها، وعالم عربي رسمي غارق في غالبيته في النفاق.
وتستمر حرب 7 أكتوبر/تشرين الأول الجارية، وهي حرب الإبادة التي يمارسها الاستعمار الإسرائيلي من جهة، وحرب التحرير التي يمارسها الفلسطينيون من جهة أخرى منذ أكثر من شهرين.
ورغم الدمار، تدرك جميع الأطراف أنها حرب تشكل منعطفا لسنوات طويلة مقبلة، ولهذا هناك إصرار على تحقيق الانتصار من هذا الطرف أو ذاك. وكلما استمرت هذه الحرب، تكشف عن واقعية الغرب الرسمي، الذي نعني به غالبية غرب المؤسسات الحاكمة وليس غرب الرأي العام المختلف في مواقفه.
هذا الغرب الرسمي الذي لا يردد مثل الببغاء كلمات -شعارات من دون الوعي العميق بها، بل يتبنى شعارات منذ الماضي بتطبيقها. وارتباطا بهذا، تبنى الغرب ومنذ بداية القرن العشرين ضرورة إقامة دولة خاصة باليهود في الشرق الأوسط، في فلسطين.
وعمل على مدار الزمن على تجسيد هذا التعهد، لاسيما وأن الغرب كان هو القوة الاستعمارية في العالم العربي، وأساسا فرنسا وبريطانيا. وأشرف الغرب على إنشاء الكيان الصهيوني، وحرص على تعزيز مكانته بفضل عاملين وهما:
– أولا، تمكينه من كل أسباب القوة والتفوق على جيرانه بفضل جعله يحقق الأمن القومي، نظرا للقوة العسكرية التي يتمتع بها، حتى يتفادى الهزيمة في أي مواجهة،
– وثانيا، مهما قام بخرق القوانين الدولية، فهذا الغرب الرسمي يحمي الكيان من أي عقوبات باستغلال ثغرات قانون الأمم المتحدة القائم على عدم توازن القوى والموازين في العالم حاليا.
وعند كل محطة تاريخية، خاصة الحروب، يبرز التزام الغرب الرسمي بتعهداته تجاه إسرائيل، وهو ما نعيشه في وقتنا الراهن بشكل جلي وبشع، بعد طوفان الأقصى يوم 7 أكتوبر. وهكذا، عارض الغرب كل عمليات وقف إطلاق النار، أو فرض الهدنة الإنسانية، وإن تمت هذه الهدنة فيجب أن تكون بعيدا عن قوانين الأمم المتحدة، بل اتفاقيات تتوسط فيها دول حتى لا يتم فيها منح هذه المنظمة الدولية أي دور مستقبلي في حل النزاع.
كما حرص على تزويد جيش الكيان بمختلف العتاد العسكري، خاصة القذائف، وتزعمت واشنطن هذا التوجه، ومنها إرسال أكثر من 200 طائرة محملة بالسلاح إلى إسرائيل والدعم الاستخباراتي، وكأن الكيان يخوض حربا ضد دولة ذات قوة عسكرية ضخمة، بل وصل الأمر برئيس حكومة بريطانيا ريتشي سوناك، أن انتقل الى إسرائيل على متن طائرة عسكرية محملة بالسلاح، في سابقة مثيرة للتساؤل.
وبين الفينة والأخرى، يصدر عن عاصمة من العواصم المحورية في الغرب مثل، باريس وواشنطن ولندن تصريحات تتضمن انتقادات جد ملطفة ضد همجية الكيان، لكن هذه التصريحات، التي تبهر سياسيين وإعلاميين عرب، ويعتقدون بحدوث تغير في نوايا الغرب الرسمي، هي مجرد أداء مسرحي لمحاولة إنقاذ ماء الوجه أمام هذا الدعم اللامشروط للكيان، خاصة بعد ارتفاع أصوات جزء مهم من الرأي العام الغربي المنددة بحرب الإبادة.
في المقابل، تعمل معظم الأنظمة العربية على إظهار حسن السلوك أمام الغرب الرسمي، فهي عاجزة عن تبني مواقف سياسة شجاعة لدعم الفلسطينيين. ولا تجرؤ على التفكير في دعم عسكري للفلسطينيين، كما يفعل الغرب مع إسرائيل، علما أنه في الماضي ما بين الأربعينيات وحتى أوائل الستينيات، كان العرب يفتخرون بدعم دول عربية كانت تحت الاستعمار بالسلاح والدعم السياسي.
والمثير للشفقة، أن وصل الأمر الآن بأنظمة غارقة في التطبيع مع الصهاينة إلى معارضة مواقف سياسية تدين كيان الاحتلال، ومواقف بعضها في القمة العربية – الإسلامية الأخيرة، التي انعقدت في العربية السعودية مثال حي على ذلك.
إن التناقض الصارخ، يتجلى في كيف يعمل الغرب من دون ضجيج الشعارات، لا يتحدث عن تاريخ مشترك ولا عن لغة مشتركة ولا تقاليد عريقة، بل اتخذ موقفا واضحا وهو دعم إسرائيل، بينما الأنظمة العربية أنتجت حول الوحدة العربية والمصير المشترك بلاغات قد تفيد في تشييد جسر بين الكرة الأرضية والقمر، لكن عند لحظة الشدة تتوارى غالبية هذه الأنظمة، بل تصبح طابورا خامسا لصالح الكيان.
في اللغة العربية الفرق بين الغرب والعرب نقطة واحدة، لكن في الواقع السياسي، يتحول الفرق الى سنوات ضوئية، بين التزام الدفاع عن المواقف في حالة تأييد الغرب لإسرائيل، والتملق واسترضاء الغرب، بل حتى إسرائيل على حساب الفلسطينيين في حالة بعض الأنظمة العربية.
لا ننسى هذه المعادلة، إسرائيل مشروع استعماري للغرب، وهذا الأخير بدفاعه عن الكيان، فهو يدافع عن الاستعمار مباشرة، وعن حرب الإبادة وعن ضرب القانون الدولي، بينما فلسطين قضية تحرير، ومواجهة للاحتلال، لكن غالبية الأنظمة العربية، والكثير منها كان حتى الأمس القريب تحت الاستعمار، لا يستطيع الانتقال من ترديد شعارات الوحدة والتحرر إلى أرض الواقع.
على ضوء هذا، يجب على الرأي العام الفلسطيني وقواه الحية، المطالبة بإبعاد من يعمل من الأنظمة العربية طابورا خامسا لإسرائيل عن التحدث باسم القضية الفلسطينية.
وفي المقابل، الرهان على ائتلاف دولي مكون من أنظمة ودول ذات شرف وطني حقيقي مثل بوليفيا وكولومبيا والصين وجنوب افريقيا التي أبانت عن مواقف مشرفة ضد حرب الإبادة هذه.
*د. حسين مجدوبي كاتب وباحث مغربي
(القدس العربي)