أميركا وروسيا تستعدان لحرب طويلة.. مُهددة بالإتساع!

0

أميركا وروسيا تستعدان لحرب طويلة.. مُهددة بالإتساع!

 

المعادلة التي نجح الغرب في تثبيتها حتى الآن: منع روسيا من الانتصار في أوكرانيا، لكنه لم يستطع أن يهزمها إستراتيجياً.

أوكرانيا اليوم هي خط الدفاع الأول عن “النظام العالمي”. ولذا وجب تقديم السلاح إليها وشن حرب لـ”تدمير” الإقتصاد الروسي.

تقترب الولايات المتحدة خطوة خطوة من التورط المباشر والكرملين يعد العدة لحربٍ طويلة لا يكون فيها الاستنزاف من طرف واحد.
الحرب الروسية – الأوكرانية باتت خارج التوقعات وتمضي في دينامية متدحرجة نحو أوسع مواجهة جيوسياسية بين روسيا والغرب منذ سقوط الاتحاد السوفياتي.

“إن الشيء الأكثر أهمية (لروسيا اليوم) ليس الأحداث المأساوية في أوكرانيا، وإنما كسر النظام العالمي الأحادي الذي تأسس بعد انهيار الاتحاد السوفياتي”.
* * *

تقديم الدكتور / مازن النجار

الحرب مهددة بالإتساع. وليس تفصيلاً الهجمات التي تعرضت لها مواقع للجيش الروسي في منطقة ترانسنيستريا الإنفصالية في جمهورية مولدوفا المجاورة لأوكرانيا، التي يتمركز فيها 1500 جندي روسي ومستودعات ضخمة من الأسلحة السوفياتية. وليس سراً أن روسيا تطمح إلى وصل الدونباس بهذه المنطقة التي تمردت عام 1991، رافضة الإستقلال المولدافي عن الإتحاد السوفياتي.
تحريك جبهة ترانسنيستريا ترافق مع إنفجارات في مستودعات للذخيرة والوقود في منطقة بيلغورود الروسية المحاذية لأوكرانيا، التي بدأت تُلمّح إلى “حقها” في إستهداف خطوط إمداد الجيش الروسي حتى داخل الأراضي الروسية، من دون التوقف عند تحذير موسكو بإستهداف مقرات القيادات الأوكرانية في كييف إذا ما تعرضت الأراضي الروسية للقصف.

 

ترانسنيستريا وبيلغورود هما بداية الرد الأوكراني أو بالأحرى الغربي على التوغل الروسي في الدونباس. و”إحتشاد” 40 دولة في قاعدة رامشتاين الجوية الأميركية في ألمانيا، هو أيضاً من خطوات الرد الأساسية على التوجه الروسي إلى شرق أوكرانيا.

وها هو الرئيس الأميركي جو بايدن يسارع إلى الطلب من الكونغرس الأميركي تمويلاً بـ33 مليار دولار لمساعدة أوكرانيا عسكرياً ومالياً في معركة “إنهاك” روسيا، وفق تعبير وزير الدفاع الأميركي لويد اوستن.
* * *

 

اجتماع رامشتاين يقود إلى فكرة مفادها أن الهم الأميركي يتركز الآن على السعي إلى قلب المعادلة العسكرية. أي أن أوكرانيا لن تبقى مكتفية بالدفاع وإنما ستنتقل إلى الهجوم.
وهذا لن يكون ممكناً إلا إذا تدفقت الأسلحة على أوكرانيا كالسيل العرم، وعدم السماح لروسيا بالتقاط الأنفاس، وتاريخ 9 مايو، سيجعله جو بايدن يوماً عادياً في روسيا، ولن يدع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يقف مزهواً في الساحة الحمراء للإعلان عن أي مكسب في الحرب التي دخلت شهرها الثالث من دون إنتصارات واضحة بعد.

المعادلة التي نجح الغرب في تثبيتها حتى الآن هي منع روسيا من الانتصار في أوكرانيا، لكنه لم يستطع أن يهزمها إستراتيجياً. في المقابل، روسيا التي استفاقت من النكسات الأولى للحرب، تبنت تخطيطاً جديداً في ساحة المعارك. القائم بأعمال المنطقة العسكرية الروسية الوسطى الجنرال روستام مينيكاييف يقول إنه:
“منذ بدء المرحلة الثانية من العملية الخاصة، فإن إحدى المهام للجيش الروسي هي السيطرة الكاملة على الدونباس وجنوب أوكرانيا. وهذا سيوفر ممراً برياً إلى القرم”.
إعلان مينيكاييف، يبدو وكأنه يتحدى تقويمات أوكرانية وغربية مفادها أن الهجوم الروسي المقبل سيكون مقتصراً على مناطق الدونباس الشرقية، حيث الجيش الروسي يتمتع بخطوط إمداد قصيرة، ويمكنه الإستفادة من واقع ميداني هو صاحب الأفضلية فيه.

صحيفة فايننشال تايمز البريطانية تنقل عن أشخاص كانوا منخرطين في جهود الوساطة لإبرام تسوية بين موسكو وكييف، أن بوتين مستعد لنزاع طويل يتجاوز الأهداف المعلنة أخيراً حول “تحرير” الدونباس، وإنه يريد السيطرة على كل جنوب شرق أوكرانيا لقطع الطريق إلى البحر الأسود ووضع برنامج لهجمات جديدة، وفق ما يقولون.

الزميل الأول في معهد الأولويات الدفاعية بواشنطن اللفتنانت كولونيل المتقاعد دانيال ديفيز ذهب أبعد من ذلك، إذ قال إن الروس :
“لن يتوقفوا قبل تعزيز سيطرتهم على منطقة الدونباس الكبرى والتحرك إلى الأمام لضرب الحصار على خاركيف ثاني المدن الأوكرانية. إن انتصاراً حاسماً في دونباس، سيجعل القوات الروسية في وضع مؤاتٍ للتوجه نحو أوديسا، وفي نهاية المطاف العودة إلى منطقة كييف”.

 

ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون أحدث صدمة الأسبوع الماضي، عندما تحدث عن “إحتمال واقعي” بأن روسيا يمكن أن تكسب الحرب، واصفاً الوضع على الأرض بأنه “لا يمكن التنبؤ به”. ويمثل كلام جونسون أول إعتراف من زعيم غربي، بأن روسيا يمكن أن تنتصر.
* * *

 

هنا نعود إلى أهمية اجتماع رامشتاين، كان مسعى من أجل الحؤول دون الوصول إلى إحتمال كذاك الذي تحدث عنه جونسون. ولأن الدونباس هو مركز الهجوم الروسي، تستميت الولايات المتحدة في قلب موازين القوى هناك، حتى ولو خاطرت بمواجهة مباشرة مع روسيا.
وفي المقابل، تكرر موسكو رسائلها “عالية الدقة” لأوروبا، بأنها هي من سيدفع ثمن أي الإنتقال بأوكرانيا من الدفاع إلى الهجوم. وبما ان الحرب ليست كل أدواتها عسكرية، فإن سلاح الغاز الذي بدأ إستخدامه ضد بولندا وبلغاريا، من الممكن أن يتسع ليشمل دولاً أخرى، لا تريد الدفع بالروبل مثلاً.

وما دام الروبل قوياً يستطيع بوتين أن يجدد آلته العسكرية ويواصل الحرب حتى بلورة نظام عالمي جديد. وهذا ما أفصح عنه الرئيس الروسي صراحة الشهر الماضي خلال تفقده قاعدة صواريخ في سيبيريا عندما قال مخاطباً الرأي العام الروسي:
“إن الشيء الأكثر أهمية (الذي يحدث اليوم) ليس الأحداث المأساوية في أوكرانيا، وإنما كسر النظام العالمي الأحادي الذي تأسس بعد انهيار الاتحاد السوفياتي”.
* * *

 

من هنا يمكن فهم إصرار أميركا على إطالة أمد الحرب تحت شعار “إلحاق هزيمة استراتيجية” بروسيا. إن أوكرانيا اليوم هي خط الدفاع الأول عن “النظام العالمي”. ولذا وجب تقديم السلاح إليها وشن حرب لـ”تدمير” الإقتصاد الروسي، وفق تعبير وزير الإقتصاد الفرنسي برونو لومير.

كل ما تقدم يوحي بأن الحرب أبعد ما يكون عن الإنتهاء. هل من يتحدث الآن عن مفاوضات أو حوار؟ لم ينجح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بعد جولة إستمرت أسبوعاً شملت تركيا وموسكو وكييف، في إجلاء مدني واحد من مصنع آزوفستال في مدينة ماريوبول!

* سميح صعب كاتب وصحفي لبناني

[cov2019]