التقدّم أم التوحش؟

0

 التقدّم أم التوحش؟

 

ألسنا شهوداً على كمّ هائل من التعصب والتطرف الأعمى والكراهية المنطلقة من عصبيات دينية وعنصرية وعرقية؟

يكون التوحش ناعمًا بتجاهل قيم الحرية والعدالة والتوزيع العادل للثروة وإقرار حق الناس بتقرير مصائرهم. 

لماذا يسود الاستبداد، ويطغى الفساد والتمييز، والاستئثار بالثروة والسلطة؟ 

لماذا يحكم منطق المال والربح وحده العلاقات بين البشر وتغيب قيم المساواة والأخوة والعيش المشترك؟ 

هل سيظل «التقدّم» مع «التوحش» متعايشين فلا سبيل للأول نحو إقصاء الآخر إلى غير رجعة؟ هل ستبقى «المدينة الفاضلة» التي نشدها الحكماء والمصلحون مجرد وهم لا سبيل لبلوغه؟

*     *     *

الكاتب: اشرف السعدنى 

 

إلى أيهما تبدو البشرية أقرب اليوم، إلى التقدم أم إلى التوحش؟ منطق الأمور يدفع تلقائياً إلى القول إن الإنسان، وقد بتنا في القرن الحادي والعشرين، يسير نحو المزيد من التقدّم، خاصة بالنسبة إلى أولئك المؤمنين بالمسار التصاعدي، التقدمي، للتاريخ، الذاهب إلى الأمام، لا إلى الوراء.

 

ويمكن سوق أمثلة كثيرة على «تقدّم» البشرية، بالقياس لما كانت عليه في أزمنة غابرة، خاصة لجهة توفير سبل حياة أكثر سهولة، ورغداً، فهناك تقدم في مجالات الطب وصناعة الأدوية مثلاً، ولنا في السرعة، التي يمكن اعتبارها قياسية، في تطوير لقاحات ضد وباء «كوفيد – 19» مثلاً، حيث أمكن خلال أقل من عام إنجاز تلك اللقاحات، فيما كان تطوير نظيرها لأوبئة مشابهة عرفتها البشرية يستغرق سنوات طويلة.

 

واخترع الإنسان السيارة، والطائرة، والكهرباء، والسفن الفضائية، وأشياء كثيرة لا حصر لها، تدلّ على نبوغ العقل البشري، وقدرته على اجتراح ما كان يعدّ معجزات، أو مستحيلات.

 

لكن هل بالوسع أن نتجاهل أيضاً أن الكثير من مظاهر التوحش والبدائية ما زالت تعيش بجوارنا، وتلاحق مجتمعات بكاملها، وتعيد إنتاج الماضي القاسي في أشدّ صوره بدائية، وهمجية، ووحشية في عالمينا العربي، والإسلامي؟ أليست ممارسات تنظيمات مثل «داعش»، و«القاعدة»، وسواهما، أمثلة صارخة على ذلك، بحيث تبدو في عين الرائي كما لو أنه يشاهد فيلماً، أو مسلسلاً تلفزيونياً يعيد تقديم ما جرى قبل قرون، ولكنها، ويا للمفارقة، تتم في أيامنا هذه؟

 

ألسنا، حتى اللحظة، شهوداً على مذابح جماعية مرعبة، ومنافٍ قاسية، وقوارب موت تقذف في عمق البحار والمحيطات بمئات الجثث للفارين من الحروب العبثية، الدالة على عجز البشر عن إيجاد صيغ للتعايش وإدارة التناقضات بأشكال متحضرة؟ وألسنا شهوداً على هذا الكمّ الهائل من التعصب، والتطرف الأعمى، والكراهية المنطلقة من عصبيات دينية، ومذهبية، وعرقية، وما إليها؟

 

يمكن للتوحش أن يكون«ناعماً» أيضاً، أو مغلفاً بورق «السوليفان»، حين يجري تجاهل قيم الحرية، والعدالة، والتوزيع العادل للثروات، وإشراك الناس في تقرير مصائرهم بصورة مشتركة، فيسود الاستبداد، ويطغى الفساد، والتمييز، والاستئثار بالثروة والسلطة، وأن يحكم منطق المال والربح وحده العلاقات بين البشر، وتغيب القيم والمبادئ الخيّرة، قيم المساواة، والأخوة، والعيش المشترك. 

 

هل نخلص من ذلك إلى أن البشر سيبقون هكذا ما حيُوا على هذا الكوكب، هل سيظل «التقدّم» مع «التوحش» متعايشين، فلا سبيل للأول في إقصاء الآخر ليولي من دون رجعة، وهل ستبقى «المدينة الفاضلة» التي نشدها الفلاسفة والمصلحون مجرد وهم، أو «يوتوبيا» لا سبيل لبلوغها؟

* د. حسن مدن كاتب صحفي من البحرين

 

 

[cov2019]