تضيف العملات النقدية غير المرتبطة بالدول والبنوك تحدياً جديداً في تنظيم العمل المالي لأمم العالم. عندما يثق الناس بنظام أو رمز مالي كأساس للتعامل يصبح قابلاً للعمل! النظام النقدي المتّبع هو تقييم الثروة برموز أو سندات يثق بها المتعاملون فالثقة هي العنصر المؤسس للنقود أو تداول السلع والخدمات. هل تستطيع المؤسسات السياسية والمالية كبح العملات والأنظمة المالية خارج سلطتها التنظيمية والقانونية؟ وإلى متى تستطيع ذلك؟ تحتاج الأمم الأخذ بالاعتبار مبدأ الثقة في التنظيم المالي وتقييم الثروة والخدمات والسلع وحقوق الملْكية ومواجهة انتهاك القوانين والقيم والاتجار غير المشروع. هل يكون الأفضل أن تستوعب السلطات والبنوك التطورات المالية الجديدة لتظل ملتزمةً بالقانون بدلاً مواجهتها بشكل ينشئ أنظمة مالية موازية خارج القانون.
* * * تقديم الكاتب الصحفي الدكتور اشرف السعدني
اكتسبت «بيتكوين»، وهي نقود إلكترونية غير مرتبطة ببنك مركزي أو سلطة نقدية أو بالبنوك التجارية التقليدية، زخماً كبيراً في الأيام القليلة الماضية، بعد إقدام أهم شركة عالمية لصناعة السيارات «تيسلا» برئاسة الرجل الأغنى في العالم «إيلون ماسك» على الاستثمار فيها بمبلغ 1.5 مليار دولار. وارتفعت، بسبب هذه الصفقة، قيمة بيتكوين بنسبة 25 في المائة على الأقل. لكن التحول الأكثر أهمية في مجال النقود والمال هو إمكانية أن تتحول العملات المشفرة أو الافتراضية غير الصادرة عن سلطة نقدية إلى أصول مالية متداولة ومقبولة قانونياً. مما يجعل السلطات السياسية والمالية والقضائية في مواجهة تحولات تشريعية وقانونية إن لم تكن جذرية فإنها كبيرة، وتؤثر في الأعمال والأسواق وفي علاقتها بالحكومات. كما تنشأ عن ذلك أسئلة كبرى حول المخاطر والأنظمة المالية القادمة. وتواجه البنوك المركزية والتجارية تحديات كبيرة ناشئة عن التحولات الرقمية في البيانات والمعاملات المالية لأجل تنظيم العمل والتدفق المالي بين الأفراد والشركات والدول، مع الاستمرار في حفظ وتنظيم الحقوق والأصول المالية ومواجهة عمليات غسيل الأموال وتمويل الإرهاب والأعمال غير المشروعة. واليوم تضيف العملات النقدية غير المرتبطة بالدول والبنوك تحدياً جديداً في تنظيم العمل المالي لأمم العالم. وكانت شركة فيسبوك قد طرحت للتداول عملةً مشفرةً باسم «ليبرا»، ثم غيّرت الاسم إلى «ديم»، وهي وإن كانت عملةً مشفّرة مثل بيتكوين، فإنها تعمل بطريقة مهجّنة، حيث تدير وتنظم إصدارها وتداولها منظمة سيكون مقرها في جنيف، بالتنسيق مع شبكة «كاليبرا» التي تضم 27 شركة تعمل في مجال الدفع الإلكتروني والتسوق عبر الإنترنت ورأس المال المغامر. لكنها أيضاً، ورغم وضوحها والتزامها القانوني، واجهت قلقاً كبيراً من قبل السلطات المالية ومخاوف حكومية بشأن الأنظمة المالية، وقد حظرتها فرنسا وألمانيا باعتبار أنه لا يمكن لأي كيان خاص بتجاوز أو مشاركة السلطات النقدية التي تشكل جزءاً من سيادة الدول. كما انسحبت من المنظمة شركات مالية تعمل في التجارة الإلكترونية والبطاقات المصرفية الإلكترونية. ورغم أن شركة فيسبوك ملتزمة، كما أعلنت، بأن يكون عملها مرتبطاً بموافقة السلطات في الولايات المتحدة الأميركية. هل تستطيع المؤسسات السياسية والمالية كبح العملات والأنظمة المالية خارج سلطتها التنظيمية والقانونية؟ وإلى متى تستطيع ذلك؟ يبدو أنها عمليات تتقدم وتنمو متحديةً الحكومات والبنوك، وقد تكون مبادرة فيسبوك مخرجاً لأجل السماح للعملات المشفرة بالتداول، لكن في سياق التزامات قانونية خاضعة للسلطات والمؤسسات القانونية والمالية المركزية، ولكي يجري تقييمها وتداولها استناداً إلى العملات الرسمية الصادرة عن البنوك والسلطات النقدية المركزية. إن تاريخ النقود الورقية والبنوك المركزية نفسها يشبه عمليات النقود المشفرة، والتي نشأت متحديةً أنظمة التداول والمبادلة التي كانت سائدةً استناداً إلى الذهب والفضة أو السلع والرموز، وقد قيّدت عمليات طباعة النقود بأنظمة وشروط حازمة أهمها أن تكون مغطاة بالذهب إلى أن تخلت الولايات المتحدة عن هذا الشرط عام 1971. وفي المحصلة، فإن النظام النقدي المتّبع مهما كان هو تقييم الثروة برموز أو سندات يثق بها المتعاملون، بمعنى أن الثقة هي العنصر المؤسس للنقود أو تداول السلع والخدمات. وفي اللحظة التي يثق فيها الناس بنظام أو رمز مالي كأساس للتعامل يصبح قابلاً للعمل. وفي ذلك تحتاج الأمم أن تأخذ بالاعتبار مبدأ الثقة في التنظيم المالي وتقييم الثروة والخدمات والسلع، ملتزمةً بحقوق الملْكيات ومواجهة انتهاك القوانين والقيم والاتجار غير المشروع. وقد يكون من الأفضل والأجدى أن تستوعب السلطات والبنوك التطورات المالية الجديدة، لتظل ملتزمةً بالقوانين، بدلاً من مواجهتها على النحو الذي ينشئ أنظمة مالية موازية خارج القانون. * إبراهيم غرايبة كاتب صحفي أردني ب
[cov2019]