المستثمرون الهواة وإهانة حيتان العرب
المستثمرون الهواة وإهانة حيتان العرب
نجح الهواة الصغار في تكبيد صناديق التحوط خسائر تجاوزت 70 مليار دولار خلال أيام.
هل يمكن أن تنتقل تلك ظاهرة المستثمرين الصغار من حي وول ستريت الشهير إلى البورصات العربية وتكسر احتكار كبار المستثمرين العرب بتلك البورصات؟
حجم التداول اليومي بالبورصة الأميركية والبالغ 169 مليار دولار قد يفوق حجم التداول في بورصات العرب لمدة عام كامل.
حيتان العرب ليسوا أقوى من نظرائهم في نيويورك والمنطقة العربية شبه خالية من صناديق المخاطر والتحوط وبنوك الاستثمار المحترفة.
حيتان عرب ينشرون شائعات ويخادعون صغار المستثمرين ويتلاعبون بأسعار الأسهم عبر شركات سمسرة تابعة لهم ويحققون مليارات الدولارات على حساب الصغار؟
* * * * * * *
الكاتب الصحفى أشرف السعدنى
قبل أيام، تمكنت مجموعة من صغار المستثمرين في الولايات المتحدة من إهانة “حيتان وول ستريت” الذين يستثمرون تريليونات الدولارات في الأسهم والبورصات، ولديهم خبرات طويلة في إدارة الأموال وقنص الصفقات والتلاعب بأسعار الأوراق المالية.
ونجح الهواة الصغار في تكبيد صناديق التحوط، وهي أكبر المستثمرين في حي المال الأميركي الشهير، خسائر تجاوزت 70 مليار دولار خلال فترة وجيزة لا تتعدى أيام.
وتمكن هواة الأسواق المالية الجدد المناوئون للنظام المالي القائم في “وول ستريت” من إثارة رعب أكبر صناديق وبنوك الاستثمار الأميركية والعالمية، خاصة تلك التي تجيد لعبة التلاعب بالأسواق وتحريك الأسهم حسب مصالحها عن طريق تنفيذ عمليات “البيع على المكشوف” وغيرها.
وبعملية واحدة جرت لسهم شركة متخصصة في ألعاب الفيديو هي “غيم ستوب” GameStop كبّد الصغار كبار المستثمرين خسائر فادحة فاقت مليارات الدولارات لبعض الحيتان.
القصة بدأت مع سهم شركة “غيم ستوب”
وهي واحدة من الشركات التي راهنت العديد من صناديق التحوط على أن تشهد انخفاضاً في قيمة أسهمها.
ولدعم هذا التوقع، وفي توقيت متزامن، قرر كبار المضاربين من شركات الاستثمار وغيرها إجراء عمليات “بيع على المكشوف” لأسهم الشركة وإعطاء انطباع للصغار بأن السهم سيتراجع، وبالتالي يسارع الصغار للتخلص منه وبيعه، على أن يقوم الحيتان بعد ذلك بإعادة شراء السهم لكن بعد تدهور سعره، والنتيجة تحقيق أرباح سريعة.
لكن الرياح لم تأت كما تشتهي سفن الحيتان وخططهم في حصد الثروات السريعة في غضون أيام حتى ولو ذلك عن طريق ممارسة الخداع وتوجيه سوق المال لصالحهم ونشر الشائعات والتوقعات الخاطئة.
في ذلك التوقيت قررت مجموعة من صغار المستثمرين والهواة الأفراد المتابعين لموقع رديت reddit، ومنصة “وول ستريت بتس” التي تضم نحو 6 ملايين شخص، بالاتفاق فيما بينهم، تحدي حيتان وول ستريت وصناديق الاستثمار الكبرى، وشراء سهم شركة غيم ستوب، وفي ساعات تحمس آلاف للفكرة وقرروا شراء السهم حتى لا ينخفض سعره كما يخطط كبار وحيتان وول ستريت.
ساعد الهواة
في ذلك أن كل واحد من هؤلاء استفاد من مئات الدولارات من أموال الحوافز التي قررت الحكومة صرفها للعاطلين عن العمل في إطار تخفيف الأعباء المعيشية الناجمة عن تفشي وباء كورونا، وقرروا بهذه الأموال البسيطة التكاتف وتنفيذ عمليات شراء ضخمة للسهم فاجأت حيتان وول ستريت وأربكت خططهم وكبدتهم خسائر بمليارات الدولارات.
ورغم أن معظم هؤلاء لم يشتروا أسهماً سوى بمبالغ زهيدة تصل إلى مئات الدولارات، إلا أن الأعداد الكبيرة التي لبت النداء دعمت سعر “غيم ستوب” GameStop وجعلته يقفز بشكل مفاجئ من أقل 18 دولاراً ليتخطى 400 دولار خلال أيام محدودة. وقاد المستثمرون غير المحترفين سعر السهم للارتفاع بأكثر من 700%!
كانت النتيجة مبهرة وما يشبه الثورة في وول ستريت، خاصة بعد أن قفزت أسعار أسهم شركة ألعاب الفيديو بصورة حادة وتعرض الحيتان لخسائر، وهو ما لم يتوقعه أحد.
اللعبة لم تنته عند هذا الحد.
فلقد اكتسب رواد موقع “رديت” الصغار زخماً قوياً ويحاولون الآن كسر احتكارات الصناديق الكبيرة وجشع حيتان وول ستريت عبر تنفيذ مضاربات أخرى، لدرجة دفعت منصات عدة إلى تعليق عمليات التداول بشكل مؤقت لتجنب حدوث أزمات مالية حادة أخرى لحيتان البورصات الأميركية.
لكن ما حدث بعد ذلك أن واصل الصغار هوايتهم فليس لديهم ما يخسرونه من أموال أو ما يتحسرون عليه من فرص، وانتقلت ثورة الهواة إلى العديد من الدول وأسواق العالم خاصة دول جنوب شرق آسيا مثل ماليزيا وغيرها.
السؤال هنا:
هل يمكن أن تنتقل تلك الظاهرة الفريدة من حي وول ستريت الشهير إلى البورصات العربية، وبالتالي تكسر احتكار كبار المستثمرين العرب بتلك البورصات، وتلحق الخسائر بالحيتان الكبار الذين يمارسون سياسة نشر الشائعات وخداع صغار المستثمرين والمضاربة على أسعار الأسهم والتلاعب بها عبر شركات السمسرة التابعة لهم، وتحقيق مليارات الدولارات على حساب الصغار؟
بالطبع، يستطيع هؤلاء الصغار فعل ذلك، فالبورصات العربية ليست أقوى من وول ستريت، فمعدل حجم التداول اليومي بالبورصة الأميركية والبالغ 169 مليار دولار قد يفوق حجم التداول في بورصات العرب لمدة عام كامل، وحيتان العرب ليسوا أقوى من نظرائهم في نيويورك، والمنطقة العربية شبه خالية من صناديق المخاطر والتحوط وبنوك الاستثمار المحترفة.
* مصطفى عبد السلام كاتب صحفي اقتصادي