النموذج الإجرامى الصهيونى
أبشع أنواع العنصرية التى عرفتها الإنسانية
كتب أحمد عزت سليم /مستشار التحرير
تتجلى العنصرية فى أبشع أنواعها التى عرفتها الإنسانية فى النموذج الصهيونى تمثلا فى بنائه الكلي الواحد الذى جمع بين عناصر الاستيطان الإحلالى والعبودية والقهر والهيمنة والاحتكار والاستعمار والعدوان والإبادة فى بنية شكلتها العقيدة حتى صارت ممارساتها حقا أبديا مطلقا وأمرا قطعيا يمارسه الآلهة البشر ” اليهود ” كعناصر نبيلة رفيعة متفوقة متعالية سامية نقية الماهية ضد العناصر المنحطة الوضيعة المتخلفة ” الآخر العربى ” حيث تصبح هذه العقيدة اللاهوتية كتعبير عن القداسة الناجمة عن الحلول الإلهي في الشعب المختار المقدس ــ حلولا كاملا فى المادة والتاريخ ــ رخصة تمنح الحق بممارسة كافة أنواع السلوك العنصرى ومارسة كل أشكال الإبادة والمحو والسيطرة والتملك والنهب ، والتى شهدتها البشرية وعرفتها طوال تاريخها .
والبداية : أفعل وتصرف على نحو يمكن للقاعدة التى تسير عليها إرادتك أن تصير قانوناً عاماً .. هذا التعريف الذى وضعه كانط حول الأمر المطلق أو القطعى ، أصبح يؤسس لأيديولوجية تتحرك فيها القيم والأفكار والتصرفات العنصرية الصهيونية الإسرائيلية وكأنها قد صارت أمرا قطعيا و حقا أبديا ، وكونه ــ هذا الأمر ــ محركاً للوعى اليهودى الذى تحول فى ديمومته إلى ماهية غيبية فوق البشر لها قوامها المادى الذى ينزل بمطرقته على العقل البشرى فى تطوره عبر عصور عميقة وممتدة ، حتى صار هذا الأمر القطعى نصباً تقدم له القرابين البشرية، وقد تكونت لذاته الضرورة التى تتجلى عنصريتها فى نفسها فتتبدى متكررة وتتبدى مستقرة وكأنها جوهر يحكم تصرفات المؤمنين بها فى مواجهة الأغيار ، ثم هى تتجسم وتتحرك فى عالم ينحنى لها كقانوناً حتمياً وعاماً ، ازداد مع الهيمنة الأمريكية بأصولها الأرثوذكسية الصهيونية على وقائع الحياة البشرية ضراوة وإرهاباً من أجل سيادة هذا الأمر القطعى المزعوم وإكسابه وجوداً بالقوة وفرضه على العالم تفسيراً وقياساً ونظاماً يجمع خرافات وأساطير التفوق العنصرى التى تمتلئ بها النصوص الدينية (التوراة والتلمود) ، والأحداث والأفكار التى تم السطو عليها من حضارات شعوب أخرى وتم توظيفها لصالح هذا الأمر القطعى وذلك طوال التتابع التاريخى.
وفى نسق ونظام يبدو فى الوهلة الأولى أنه قد استند إلى ترتيب زمانى ومكانى شملته إرادة مزعومة موسومة بالثبات ، ثم هو قد استند إلى علله وقوانينه المزعومة وأهدافه المستترة والمعلنة وقيمه كعناصر أقام منها وبنى نظامه ونسقه منها بذاتها ولذاتها فصار هذا النظام دافعاً لكل ما يجرى من حوادث ووقائع ومواقف ومجيباً لكل التساؤلات التى تثار حول حركته على المستوى الفردى والجماعى، وتأثيره على ما حوله ، الذى يتسع فيشمل الكون كله ويبدو الرب فى هذا الحول- وعلى حد تعبير إسبينوزا المفكر اليهودى هو الرئيس السياسى ، والذى يقبع فى المركز الاستعمارى ، هذا الذى يحمى بإرادتة التى صارت أمرا قطعياً ، ” الأمة النبية “، دولة الأنبياء والكهنوت ، مملكة داود وسليمان ” دولة إسرائيل “
هكذا يعود الميثاق الأبدى إلى الوجود مكوناً لاهوتا ليس هو اللاهوت الطبيعى الذى يبدأ من العالم للوصول إلي الرب، ولكن ذلك اللاهوت الذى يبدأ من الرب للوصول إلى العالم وحكمه، يبدأ من سلطة النص للوصول إلى العالم ومن ثم يضع العقل فى حدود سلطة الرب وسلطة النص ، والنص ليس كما قال هيجل هو عملية تحرير للشعور إنما هو تكبيل للشعور طبقا لسلطة اللاهوت التى هى سلطة النص / القانونى / الإلهى القطعى/ الميثاق الأبدى / سلطة الحاخام المطلقة ، فالرب خلق التوراة ، والتوراة أوجدت التاريخ وهى قاعدته الإيمانية التى يسير عليها أنبياء مملكة الكهنوت ، وبالتالى هى تحكم تاريخ البشرية وتتحكم فى مصائرها ، وسلطتها الإلهية تنفى كل اضطراب أو تناقض أوانحراف قد يعتريها أو يشوبها .
وأصبح هذا النظام أو النسق بما يحويه من بنى لها قوة دافعية تشكل المكبوت من الرغبات لأفراده وجماعاته والدوافع اللاشعورية لأمراء دولة الأنبياء، وفى عقد إرادى ذرائعى ونفعى بين الإله والشعب والقانون ، بهذا المعنى تتشكل العلاقات الوظيفية داخل نطاق الألوهية بين الإله / النص الإلهى / الوعد / الحاخام وبين القانون / الأمر الإلهى القطعى / الميثاق الأبدى وبين الشعب والأرض وعلى أساس هذه العلاقات التى تتشابك وتتبادل مع بعضها البعض وتترابط وتتراكب وتتفاعل فى إطارها المسيانى تكونت “الدولة الصهيونية الإسرائيلية ” ، مملكة الأنبياء ، ومركز العقيدة ، بل ” اليهودى هو الذى يخلق العقيدة وهو الذى يحركها وهى تتحرك من خلاله وهو يبدأ تجربته الروحية بعكس الخلق جميعاً ، يبدأها من أسفل إلى أعلى لأنه مركز العقيدة ” وهذه العلاقة تبادلية يأخذ فيها الرب موقع اليهودى ويصير فيها اليهودى مركز العقيدة ، وصفة الألوهية نفسها لم تكن مقصورة على الرب وحده بل شاركه فيها موسى الذى كان بدوره إلهاً وله أنبياء ” فقال الرب لموسى أنظر أنا جعلتك إلهاً لفرعون ، وهارون أخوك يكون نبياً ( خروج 1:7 ) وأضافت التوراة ” أن الله خلق الإنسان على صورة الرب نفسه ” )تكوين27:1، 5: 2 ( .
ثم أن هذه العلاقة التبادلية تحيلنا بنائياً إلى شبكة علاقات ممتدة إلى داخل النص اللاهوتى الذى جعل آدم واحد من الآلهة ، ولا يمكن فهم هذه العلاقات وتفكيكها دون إرجاع عناصرها الداخلية إلى الجوهر اللاهوتى المشكل لها ، والذى يدفع وجودها الحركى فى سلوك ارتدادى الشعيرة العنصرية وطقوسها ونصوصها فتكشف عن مزاعمها وأكاذيبها حول التفرد والعنصرية والتفوق ، واستطاعت فى ذاتها ولذاتها أن تحتكر الإله وأن تمتلك بإرادتها وقانونها وميثاقها الأبدى المزعوم الأرض خالصة وتراثاً أبدياً لها وأن تخضع لها وتنحنى قوى استعمارية عالمية فى صمت تعاقدى مريب مع أخطر ما منيت به الإنسانية ألا وهو الدولة العنصرية الإسرائيلية ، بما تقدمه من تمايز عنصرى وطبيعة دموية ودعوة للتفرد باحتكار القوى المادية ، ونهب التراث الحضارى للشعوب فى أكبر عملية تلفيقية لم يعرف لها التاريخ الإنسانى مثيلاً ، وتحولت إلى نص مقدس لشعب اختاره الإله وعلى الأصح لإله اختاره الشعب وأوقعه تحت سلطته ، ” فاليهود هم الأمة الوحيدة التى تاريخها بيدها ، وبحسب هواها ، ثم زعمت أن هذا التاريخ قد أنزل من السماء ، وأنه فوق الجدل والنقاش ، كما قال العلامة حسن ظاظا ، ولهذا الاختيار يرضى الإله لنفسه المذلة والمهانة ، وهاهو يسأل موسى ذات يوم قائلاً ” حتى متى يهيننى هذا الشعب “.
وعليه فقد تحولت التصرفات والحالات والحوادث الفردية لكل فرد فى مملكة الأنبياء إلى ما هو أكثر من كونها حادثة أو سلوكاً فردياً ، فأضحت من خلال حذف كل ما عداها من حالات وكيفيات أخرى متداخلة معها ونافية لها ، ثم بالإضافة والحذف والجمع والمحاكاة والانتقاء والاختيار من التاريخ البشرى الحضاري ، وبشكل فاضح مجرد من أية روح نقدية أو أخلاق وضمير ، نمطاً إحالياً ، وإطاراً تلفيقياً ، وصفة متعالية ، وفريدة فى انتقائيتها العنصرية ، حيث تتحول هذه الحوادث إلى حوادث تتخطى حدوثها الفيزيقى إلى تخطيط إلهي أو مشاركة إلهية انتقلت بجوهرها الغيبى إلي اليهودى منذ أن قال الإله : لقد صار آدم واحد منا ، كما جاء فى النص ، كما أن آدم قد أكل من الشجرة ولم يمت – كما حذر الإله ، ونقلت هذه الخطيئة الحية بدلاً من آدم فاكتسب آدم الألوهية ولعنت الحية ، وقد وصل هذا الاكتساب إلى الأحفاد فتجاوزوه ورأوا وجه الإله الذى لا يراه إنسان إلا ومات ، بل وصارعوا الإله ، بهذا تحولت الحوادث إلى القداسة وشكلت لاهوتاً تعدت فيه الحوادث الفيزيقية حدود المعرفة الإنسانية والوعى الإنسانى ومبرراً لمعنى الوجود المزعوم بكونه وجوداً قبلياً متعالياً صادراً عن علاقة تبادلية لإله اختاره شعبه أو اختار هو رجاله وشعبه وبالتالى يصير كل ما يصدر عنهم متعالياً فوق الآخر وفوق البشر وكأنه حقيقة الحقائق وقد توحدت مع الإله وأصبح فاعلوها تجسيدا له أو هو تجسيد لهم مهما تناقضت فى داخلها وخارجها ومهما تعددت أوجهها ومصادرها ومواقعها الجغرافية ومهما تضاربت أزمنتها التاريخية .