حروب إسرائيل البرية.. إقرؤوها جيداً


حروب إسرائيل البرية.. إقرؤوها جيداً

تقديم / الكاتب الصحفي أشرف السعدني 

قد يتم الاكتفاء بعملية عسكرية محدودة، أو بحزام أمني في شمال القطاع على غرار الحزام الأمني في جنوب لبنان، الذي انتهى في عام ألفين.
الجيش الإسرائيلي تردد في الدخول البري لقطاع غزة، لا بل إن الغزو الشامل ربما تم استبعاده أصلاً من الخيارات الاسرائيلية، أو قد يستبعده لاحقاً.
التفوق العسكري الإسرائيلي مرهون بسلاح الجو والقصف من ارتفاع آلاف الأمتار أما في المعارك البرية وعندما تُصبح الحرب قتال شوارع فالمعادلة تتغير فورا.
* * *
ما زال الحديثُ يتردد في إسرائيل منذ أكثر من ثلاثة أسابيع عن اجتياح بري شامل لقطاع غزة، أو عن حرب برية محدودة، لكنها مباشرة في القطاع تؤدي إلى ضرب البنية التحتية لحركة حماس، ولا يبدو أن ثمة اتفاقا داخليا إسرائيليا على هذه المغامرة، بل إن الخلافات ظهرت إلى العلن خلال الأيام الماضية وأصبحت هذه الخلافات محط أنظار المراقبين داخل إسرائيل وخارجها.

لدى إسرائيل تاريخ طويل من الحروب البرية في المنطقة، ومن يقرأ هذا التاريخ يكتشف أن الإسرائيليين لهم الغلبة على الدوام في الجو، أما على الأرض فتختلف المعادلة تماماً، ويتغير الواقع ويتبدل الحال، وربما هذا هو السبب الحقيقي لتأخر الدخول البري إلى قطاع غزة، واشتعال الخلافات والمخاوف داخل أروقة صنع القرار الإسرائيلي.

في حرب 1948 وخلال شهر أيار/ مايو من ذلك العام تمكنت القوات الإسرائيلية من تدمير القدرات العسكرية لسبعة جيوش عربية مجتمعة، وتمكنت من تهجير مئات آلاف الفلسطينيين وتحويلهم إلى لاجئين، لكن الكثيرين ينسون أن القوات الاسرائيلية لم تتمكن في ذلك الحين من دخول مدينة القدس، ولا بلدتها القديمة، وذلك عندما اشتبكت بشكل مباشر مع الجيش الأردني الذي انتصر في حقيقة الأمر في تلك المعركة، وأوقف توسع الإسرائيليين.

وأجبرهم على التوقف خارج مدينة القدس، وظل الجيش الأردني حامياً لمدينة القدس، وحاكماً لها حتى حزيران/ يونيو 1967 عندما تعرضت الجيوش العربية لهزيمة ثانية وكانت أيضاً بفضل سلاح الجو الإسرائيلي الذي كان متفوقاً وظل متفوقاً على كل نظرائه في المنطقة.

وفي 21 آذار/ مارس من عام 1968، أي بعد تسعة شهور فقط على نشوة الانتصار الاسرائيلي، وبعد سقوط الضفة الغربية والقدس وأجزاء من الأراضي الأردنية والمصرية في قبضة الاحتلال الإسرائيلي اندلعت «معركة الكرامة» التي شكلت حدثاً تاريخياً فريداً، حيث حشدت القوات الإسرائيلية أكثر من 15 ألف جندي من أجل اقتحام بلدة الكرامة الأردنية، التي كانت آنذاك معقلاً للمقاتلين الفلسطينيين (الفدائيين)، وكانت تهدف لاجتثاثهم من المكان ووقف هجماتهم وعمليات التسلل التي كانوا ينفذونها نحو الضفة الغربية.

في معركة الكرامة كان الفدائيون الفلسطينيون بضعة مئات، وكان معهم الجيش الأردني الداعم والمساند والعشائر الأردنية، وخاضوا معركة استمرت 15 ساعة فقط، انتهت بطلب الإسرائيليين الهدنة ووقف إطلاق النار لأنهم لم يعودوا قادرين على تحمل مزيد من الخسائر في صفوفهم.

أما المغامرة الإسرائيلية الأهم والأكبر على الإطلاق فكانت في الغزو الإسرائيلي الكبير للبنان عام 1982، حيث حاصرت القوات الإسرائيلية بيروت براً لأكثر من ثلاثة شهور وأمطرتها بالقنابل والصواريخ لثلاثة شهور متواصلة، ومنعت عنها الكهرباء والماء والاتصالات والطعام والدواء وكل شرايين الحياة، ومع ذلك لم تتمكن القوات الإسرائيلية من اقتحامها، إلا بعد أن غادرتها قوات منظمة التحرير الفلسطينية وفقاً للاتفاق مع الوسيط الأمريكي فيليب حبيب.

بعد شهور من اجتياح القوات الإسرائيلية لبيروت، وارتكاب المجازر في المخيمات (أشهرها وأكبرها صبرا وشاتيلا)، اضطرت أيضاً القوات الإسرائيلية إلى الانسحاب تحت ضربات المقاومة الوطنية اللبنانية التي تشكلت بسبب وجود الاحتلال، وهي المقاومة التي لم يكن الإسرائيليون يتوقعونها، لأنهم كانوا قد ضمنوا في ذلك الحين أن قوات المقاومة الفلسطينية قد غادرت لبنان وتم تشتيتها في عدة دول عربية، كما أن القيادة كانت في البلد العربي الأبعد وهو تونس، حيث لم يعد من الممكن شن الهجمات.

في عام 1987 لم يصمد الإسرائيليون طويلاً في مواجهة لم يكن من الممكن فيها استخدام الطائرات ولا الصواريخ ولا سلاح الجو، فقد كانوا أمام انتفاضة شعبية، وكان الأطفال يلاحقونهم بالحجارة من مكان إلى آخر.
ولم يكن من الممكن التصدي بالقوة لهذه الانتفاضة التي تحولت إلى حرب استنزاف لجيش مدجج بالسلاح، لكنه صار ملاحقاً في كل مدن وقرى الضفة الغربية وقطاع غزة، فاضطروا حينها إلى الذهاب لمؤتمر مدريد للسلام (1991)، وهو ما كان يعني ضمناً بأنهم خسروا حرب الشوارع التي خاضها الأطفال ضدهم.

الخلاصة هو أن إسرائيل تتفوق عسكرياً على كل العرب، وهي في صدارة أقوى الجيوش بالعالم، وهذا لا شك فيه، لكن التفوق العسكري الإسرائيلي مرهون في كل مرة بالطائرات وسلاح الجو والقصف من على ارتفاع آلاف الأمتار، أما في المعارك البرية وعندما تُصبح الحرب قتالاً في الشوارع فإن المعادلة تتغير على الفور.

وهذه الحقيقة هي التي تجعل الجيش الإسرائيلي متردداً في الدخول البري إلى قطاع غزة، لا بل إن الغزو الشامل للقطاع ربما تم استبعاده أصلاً من الخيارات الاسرائيلية، أو قد يتم استبعاده لاحقاً، وقد يتم الاكتفاء بعملية عسكرية محدودة، أو بحزام أمني في شمال قطاع على غرار الحزام الأمني في جنوب لبنان، الذي انتهى في عام ألفين.

 

*محمد عايش كاتب صحفي فلسطيني
قطاع غزة الدخول البري التفوق الجوي الجيش الأردني المقاومة الفلسطينية حروب إسرائيل البرية الغزو الشامل عملية عسكرية محدودة حزام أمن
(القدس العربي)

[cov2019]