دكتور خالد محمود ؛ يتحدث عن أحكام يوم الجمعة

دكتور خالد محمود ؛ يتحدث عن أحكام يوم الجمعة

 

بقلم \ المفكر العربي الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
مما لاشك فيه أن ليوم الجمعة أحكامًا وآدابًا أحببت أن أذكِّرَ بها القراء الكرام، فأقول وبالله تعالى التوفيق.
• سبب تسمية الجمعة:
اختلف أهل العلم في سبب تسمية يوم الجمعة بهذا الاسم، مع اتفاقهم أنه كان في الجاهلية يسمى بيوم العروبة، ويمكن أن نجمل أقوال العلماء فيما يلي:
1- لأن كمال الخلق جُمع فيه.
2- لأن خلق آدم جمع فيه.
3- لاجتماع الناس للصلاة فيه.
4- لأن كعب بن لؤي كان يجمع قومه فيه فيذكرهم ويأمرهم بتعظيم الحرم، ويخبرهم بأنه سيبعث منه نبي.
5- لأن أسعد بن زرارة كان يجمِّع الأنصار فيه ويذكرهم، فسمَّوه بالجمعة حين اجتمعوا إليه.
6- لاجتماع آدم وحواء في هذا اليوم؛ (فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ 2 صـ 411).

 

 

 

 

 

• فضائل يوم الجمعة:
إن ليوم الجمعة فضائل كثيرة، يمكن أن نجملها فيما يلي:
(1) الجمعة يوم عيد:
روى أبو داود عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((قد اجتمع في يومكم هذا عيدانِ، فمن شاء أجزأه من الجمعة، وإنا مجمِّعون))؛ (حديث صحيح؛ صحيح أبي داود للألباني، حديث 948).
وروى ابن ماجه عن ابن عباسٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم((إن هذا يوم عيدٍ جعله الله للمسلمين، فمن جاء إلى الجمعة فليغتسل، وإن كان طيبٌ فليمَسَّ منه، وعليكم بالسواك))؛ (حديث حسن؛ صحيح ابن ماجه للألباني، حديث 9، 1).
(2) يوم الجمعة أفضل الأيام:
روى مسلم عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خيرُ يومٍ طلعت عليه الشمس يوم الجمعة؛ فيه خُلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة))؛ (صحيح مسلم جـ 2 ـ كتاب الجمعة، حديث 18).
(3) الجمعة كفَّارة للذنوب:
روى مسلم عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من اغتسل ثم أتى الجمعة فصلى ما قدر له، ثم أنصت حتى يفرغ من خطبته، ثم يصلي معه – غُفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى، وفضل ثلاثة أيامٍ))؛ (مسلم جـ 2، حديث 857).
وروى مسلم عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: ((الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان: مكفِّراتٌ ما بينهن إذا اجتنب الكبائر))؛ (مسلم جـ 1كتاب الطهارة/ حديث 16).
(4) الملائكة تكتب أسماء المصلين:
روى مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا كان يوم الجمعة، كان على كل بابٍ من أبواب المسجد ملائكةٌ يكتبون الأولَ فالأول، فإذا جلس الإمام طَوَوُا الصحف وجاؤوا يستمعون الذكر، ومَثل المُهجِّر كمثل الذي يُهدي البَدَنة، ثم كالذي يُهدي بقرةً، ثم كالذي يُهدي الكبش، ثم كالذي يُهدي الدجاجة، ثم كالذي يُهدي البيضة))؛ (مسلم، حديث 85).
(5) يوم الجمعة فيه ساعة إجابة:
روى الطبراني في الأوسط عن أنس بن مالك قال: “عرضت الجمعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، جاء جبريل في كفه كالمرآة البيضاء، في وسطها كالنكتة السوداء، فقال: ((ما هذه يا جبريل؟ قال: هذه الجمعة، يعرضها عليك ربك؛ لتكون لك عيدًا، ولقومك من بعدك، ولكم فيها خير تكون أنت الأول، ويكون اليهود والنصارى من بعدك، وفيها ساعة لا يدعو أحدٌ ربَّه بخير هو له قسْمٌ إلا أعطاه، أو يتعوذ من شر إلا دفع عنه ما هو أعظم منه، ونحن ندعوه في الآخرة يوم المزيد))؛ (حديث صحيح؛ صحيح الترغيب جـ 1، حديث 691).
روى أبو داود عن جابر بن عبدالله، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((يوم الجمعة ثنتا عشرة – يريد ساعةً – لا يوجد مسلمٌ يسأل الله عز وجل شيئًا، إلا آتاه الله عز وجل، فالتمسوها آخر ساعةٍ بعد العصر))؛ (حديث صحيح؛ صحيح أبي داود، حديث 926).
(6) يوم الجمعة أكمَل الله لنا فيه الدِّين:
قال تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3]، وكان ذلك يوم الجمعة عشيةَ يوم عرفة، في حجة الوداع، وذلك في العام العاشر من هجرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

 

 

 

 

 

• سنن وآداب يوم الجمعة:
إن ليوم الجمعة آدابًا كثيرة، يمكن أن نجملها فيما يلي:
(1) الاغتسال وارتداء أفضل الثياب مع الطِّيب:
روى البخاري عن سلمان الفارسي قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يغتسل رجلٌ يوم الجمعة، ويتطهَّر ما استطاع من طُهرٍ، ويدَّهن مِن دُهنه، أو يمس من طيب بيته، ثم يخرج فلا يفرِّق بين اثنين، ثم يصلي ما كُتب له، ثم يُنصت إذا تكلم الإمام – إلا غُفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى))؛ (البخاري، حديث 883).
وروى الترمذي عن سمرة بن جندبٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من توضأ يوم الجمعة، فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل))؛ (حديث صحيح؛ صحيح الترمذي للألباني، حديث 411).
• قال ابن قدامة: الغسل يوم الجمعة: ليس ذلك بواجبٍ في قول أكثر أهل العلم.
قال الترمذي: العمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم.
وهو قول الأوزاعي، والثوري، ومالكٍ، والشافعي، وابن المنذر، وأصحاب الرأي، وقيل: إن هذا إجماعٌ.
قال ابن عبدالبر: أجمع علماء المسلمين – قديمًا وحديثًا – على أن غسل الجمعة ليس بفرضٍ واجبٍ؛ (المغني لابن قدامة بتحقيق التركي جـ 3 صـ 227:224).

 

 

 

 

 

• وقت الغسل في يوم الجمعة:
يبدأ غسل يوم الجمعة من بعد أذان الفجر؛ فمن اغتسل بعد الفجر أجزأه، ومن اغتسل قبـل الفجـر لم يجزئه، ومن اغتسل ثم أحدث، أجزأه الغُسل، وكفاه الوضوء؛ (المغني لابن قدامة جـ 3 صـ 227).
(2) الذهاب مبكرًا إلى المسجد:
روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح، فكأنما قرَّب بدَنةً، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرَّب بقرةً، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرَّب كبشًا أقرنَ، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرَّب دجاجةً، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرَّب بيضةً، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر))؛ (البخاري حديث 881/ مسلم حديث 85).
(3) قراءة سورة الكهف:
روى النسائي عن أبي سعيد الخدري: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة، أضاء له من النور ما بين الجمعتين))؛ (حديث صحيح؛ صحيح الترغيب للألباني جـ 1 حديث 736).
(4) الإكثار من الدعاء والصلاةِ على النبي صلى الله عليه وسلم:
روى مسلم عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر يوم الجمعة فقال: ((فيه ساعةٌ لا يوافقها عبدٌ مسلمٌ وهو يصلي يسأل الله شيئًا إلا أعطاه إياه))؛ (مسلم حديث 852).
وروى أبو داود عن أوس بن أوسٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن من أفضل أيامكم يومَ الجمعة؛ فيه خُلق آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة؛ فأكثِروا علَيَّ من الصلاة فيه؛ فإن صلاتَكم معروضةٌ عليَّ))، قال: قالوا: يا رسول الله، وكيف تُعرَض صلاتنا عليك وقد أرِمْتَ؟ يقولون: بَلِيتَ، فقال: ((إن الله عز وجل حرَّم على الأرض أجسادَ الأنبياء))؛ (حديث صحيح؛ صحيح أبي داود للألباني، حديث 925).
(5) قراءة سورة السجدة والإنسان في فجر الجمعة:
من السنَّة في صلاة فجرِ يوم الجمعة: قراءةُ سورة السجدة كاملةً في الركعة الأولى، وقراءة سورة الإنسان كاملة في الركعة الثانية.
روى مسلم عن ابن عباسٍ: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة “الم تنزيل السجدة” و” ﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ ﴾”، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الجمعة سورةَ “الجمعة” و”المنافقين”؛ (مسلم جـ 2 حديث 879).

 

 

 

 

 

 

• تنبيه هام:
ما يقوم به كثير من الناس من قراءة بعض آيات من سورة السجدة، وبعض آيات من سورة الإنسان في الركعة الثانية – فهو بدعة مخالِفة لسنَّة النبي صلى الله عليه وسلم.
• فائدة هامة:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: لا ينبغي المداومة عليها (يقصد قراءة سورة السجدة والإنسان في فجر يوم الجمعة)، بحيث يتوهَّم بعض الجهال أنها واجبة، وأن تاركها مسيء، بل ينبغي تركها أحيانًا؛ لعدم وجوبها؛ زاد المعاد لابن القيم جـ 1 صـ 44.

 

 

 

 

 

• حكم صيام يوم الجمعة:
يُكرَه صوم يوم الجمعة منفردًا، إلا لمن وافق عادة له؛ كمن يصوم يومًا ويفطر يومًا، أو كمَن عادته صوم يوم عرفة، فوافق ذلك يومَ جمعة؛ وذلك لوجود أحاديث تدل على استحباب صيام هذه الأيام؛ (فتح الباري جـ 4 صـ 275).
روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا يومًا قبله أو بعده))؛ (البخاري حديث 1985/ مسلم حديث 1144).
روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تختصوا ليلة الجمعة بقيامٍ من بين الليالي، ولا تخصوا يوم الجمعة بصيامٍ من بين الأيام، إلا أن يكون في صومٍ يصومه أحدُكم))؛ (مسلم جـ 2 ـ كتاب الصيام حديث 148).
وروى البخاري عن أبي أيوب، عن جويرية بنت الحارث رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمةٌ، فقال: ((أصُمْتِ أمسِ؟))، قالت: لا، قال: ((تريدين أن تصومي غدًا؟))، قالت: لا، قال: ((فأفطري))؛ (البخاري حديث 1986).
• قال النووي (في تعليقه على أحاديث النهي عن صوم يوم الجمعة منفردًا]: وفي هذه الأحاديث الدلالة الظاهرة لقول جمهور أصحاب الشافعي وموافقيهم، وأنه يُكره إفراد يوم الجمعة بالصوم، إلا أن يوافق عادةً له، فإن وصله بيومٍ قبله أو بعده، أو وافق عادةً له بأن نذر أن يصوم يوم شفاء مريضه أبدًا، فوافق يوم الجمعة – لم يُكرَه؛ لهذه الأحاديث؛ (مسلم بشرح النووي جـ 4 صـ 274).
• وقال ابن قدامة: (يُكرَه إفراد يوم الجمعة بالصوم، إلا أن يوافق ذلك صومًا كان يصومه، مثل من يصوم يومًا ويفطر يومًا، فيوافق صومه يوم الجمعة، ومَن عادته صوم أول يومٍ من الشهر، أو آخره، أو يوم نصفه، ونحو ذلك؛ (المغني لابن قدامة جـ 4 صـ 426:427).
• قال ابن حجر العسقلاني: ذهب جمهور العلماء إلى أن النهى فيه للتنزيه؛ (فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ 4 صـ 276).

 

 

 

 

 

• الحكمة من النهي عن صوم يوم الجمعة:
قال النووي: والحكمة في النهي عن صوم يوم الجمعة: أن يوم الجمعة يومُ دعاء وذكرٍ وعبادةٍ: من الغُسل، والتبكير إلى الصلاة، وانتظارها، واستماع الخطبة، وإكثار الذِّكر بعدها؛ لقول الله تعالى: ﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الجمعة: 10]، وغير ذلك من العبادات في يومها؛ فاستُحبَّ الفِطر فيه، فيكون أعونَ له على هذه الوظائف، وأدائها بنشاطٍ وانشراحٍ لها، والتذاذٍ بها من غير مللٍ ولا سآمةٍ، وهو نظير الحاجِّ يومَ عرفةَ بعرفةَ؛ فإن السنَّة له الفِطرُ، كما سبق تقريره، لهذه الحكمة؛ (مسلم بشرح النووي جـ 4 صـ 274).
• حكم صلاة الجمعة:
تجب صلاة الجمعة على كل مسلم ذكَر، بالغ، عاقل، حرٍّ، مقيم، قادر على الذهاب إلى المسجد؛ وذلك بالكتاب والسنة والإجماع.
• أولًا القرآن: قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الجمعة: 9].
أمَر الله تعالى بالسعي إلى صلاة الجمعة، والأمرُ بالسعي يقتضي هنا الوجوب، ولا يجب السعي إلا إلى الواجب، ونهى عن البيع؛ لئلا يشتغل به عنها، فلو لم تكن واجبةً، لَمَا نهى عن البيع من أجلها، والمراد بالسعي ها هنا الذهابُ إليها، لا الإسراع؛ فإن السعيَ في كتاب الله لم يرد به العَدْو، (المغني بتحقيق التركي جـ 3 صـ 158).

 

 

 

 

 

• ثانيًا السنَّة:
روى مسلم عن عبدالله بن مسعود: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لقومٍ يتخلفون عن الجمعة: ((لقد همَمْتُ أن آمُرَ رجلًا يصلي بالناس، ثم أُحرِّقَ على رجالٍ يتخلَّفون عن الجمعة بيوتَهم))؛ (مسلم حديث 652).
روى مسلم عن عبدالله بن عمر وأبي هريرة: أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على أعوادِ مِنبره: ((لينتهيَنَّ أقوامٌ عن وَدْعِهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم، ثم ليكونن من الغافلين))؛ (مسلم حديث 865).
• ثالثًا الإجماع: أجمع المسلمون على وجوب صلاة الجمعة؛ المغني بتحقيق التركي جـ 3 صـ 159.

 

 

 

 

 

 

• مَن تسقط عنه الجمعة:
لا تجب صلاة الجمعة على المرأة، والصبي، والعبد المملوك، والمريض الذي يشق عليه الذهاب إلى المسجد، والمسافر، وأصحاب الأعذار الشرعية؛ كمن يقوم برعاية المريض، إذا كان وجوده بجواره وقت صلاة الجمعة ضروريًّا، وكمن يخاف من ظالم، أو المَدين المعسِر الذي يخاف من الحبس، أو مطر غزير أو وحل شديد يمنع الخروج إلى المسجد، أو ما شابه ذلك من الأعذار؛ (شرح السنة للبغوي جـ 4 صـ 226).
ولهم أن يصلُّوا الظهر قبل صلاة الإمام في الجمعة؛ لأنهم لم يخاطَبوا بالجمعة؛ فصحت منهم صلاة الظُّهر.
روى أبو داود عن طارق بن شهابٍ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الجمعة حق واجبٌ على كل مسلمٍ في جماعةٍ، إلا أربعةً: عبدٌ مملوكٌ، أو امرأةٌ، أو صبي، أو مريضٌ)).
قال أبو داود: طارق بن شهابٍ قد رأى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمع منه شيئًا”؛ (حديث صحيح؛ صحيح أبي داود للألباني 942).
• تنبيه هام: طارق بن شهابٍ أدرك الجاهلية، ورأى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمع منه شيئًا”.
وأخرج الحاكم حديث طارق بن شهاب عن أبي موسى الأشعري، وقال الحافظ ابن حجر: صححه غير واحد، وقال الإمام النووي: هذا غيرُ قادح في صحته؛ فإنه يكون مرسَلَ صحابيٍّ، وهو حجة، والحديث على شرط الشيخين؛ (سبل السلام للصنعاني جـ 2 صـ 416)، (نيل الأوطار جـ 3 صـ 27).
وروى الطبراني في الأوسط – بسنده – عن عبدالله بن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ليس على مسافرٍ جمعة))؛ (حديث صحيح؛ صحيح الجامع جـ 2، رقم 54، 5).
قال ابن قدامة: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسافر فلا يصلي الجمعة في سفره، وكان في حجة الوداع بعرفة يوم جمعةٍ، فصلى الظهر والعصر، وجمع بينهما، ولم يصلِّ جمعةً، والخلفاء الراشدون رضي الله عنهم كانوا يسافرون في الحج وغيره، فلم يصلِّ أحدٌ منهم الجمعةَ في سفره، وكذلك غيرهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم؛ (المغني لابن قدامة بتحقيق التركي جـ 3 صـ 216).

 

 

 

 

• وقفـة هامة:
قال أبو القاسم البغوي: كل من لا يجب عليه حضور الجمعة، إذا حضر وصلى سقط عنه فرض الظُّهر بأداء الجمعة؛ (شرح السنة للبغوي جـ 4 صـ 226).
• وقت السعي للجمعة:
للسعي إلى صلاة الجمعة وقتان: وقت وجوب، ووقت فضيلة.
• وقت الوجوب: هو وقت أذان الظهر؛ لقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الجمعة: 9].
• وقت الفضيلة: هو من أول النهار، فكلما ذهب المسلم مبكرًا إلى المسجد، كان ذلك أفضل.
روى مالك والشيخانِ عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح، فكأنما قرَّب بدَنةً، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرةً، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشًا أقرنَ، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجةً، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضةً، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر))؛ (الموطأ ـ كتاب الجمعة ـ 1)، (البخاري 881/ مسلم 85).

 

 

 

 

 

• حكم تخطِّي الصفوف:
يُكرَه تخطِّي الناس يوم الجمعة بدون عذر.
روى البخاري عن سلمان الفارسي قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يغتسل رجلٌ يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طُهرٍ، ويدَّهن من دُهنه، أو يمَس من طِيب بيته، ثم يخرج فلا يفرِّق بين اثنين، ثم يصلي ما كُتب له، ثم يُنصت إذا تكلم الإمام – إلا غُفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى))؛ (البخاري حديث 91).
وروى أبو داود عن عبدالله بن بُسرٍ: جاء رجلٌ يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطُبُ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((اجلِسْ؛ فقد آذَيْتَ))؛ (حديث صحيح؛ صحيح أبي داود للألباني حديث 989).
• ويستثنى من ذلك الإمام، أو مَن كان بين يديه فرجة لا يصل إليها إلا بالتخطي، أو من قام من مجلسه لضرورة.
روى البخاري عن عقبة بن الحارث قال: صليت وراء النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة العصرَ، فسلَّم، ثم قام مسرعًا، فتخطى رقاب الناس إلى بعض حُجَر نسائه، ففزع الناس من سرعته، فخرج عليهم فرأى أنهم عجبوا من سرعته، فقال: ((ذكرتُ شيئًا مِن تِبْرٍ عندنا، فكرهت أن يحبِسَني، فأمرت بقسمته))؛ (البخاري حديث 851).
روى مسلم عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا قام أحدكم – وفي حديث أبي عوانة: من قام – من مجلسه ثم رجع إليه، فهو أحقُّ به))؛ (مسلم حديث 2179).

 

 

 

 

 

• هل الجمعة لها سنة راتبة قَبْلية؟
أخي المسلم الكريم، ليس للجمعة سنةٌ راتبةٌ قبلها؛ لأن ذلك لم يثبت في حديث صحيح عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ولا عن خلفائه الراشدين، ولأن صلاة الجمعة لها أحكام خاصة بها تختلف عن صلاة الظهر، وهذا قول جمهور العلماء.
وسوف أذكر فتاوى بعض أهل العلم في هذه المسألة الهامة:
(1) الإمام الشافعي:
قال الإمام الشافعي (رحمه الله تعالى): أحب أن يكون الأذان يوم الجمعة حين يدخل الإمام المسجد ويجلس على موضعه الذي يخطب عليه، خشب أو جريد أو منبر أو شيء مرفوع له، أو الأرض، فإذا فعل، أخذ المؤذن في الأذان، فإذا فرغ، قام فخطب، لا يزيد عليه؛ (الأم للإمام الشافعي جـ 1 صـ 195).

 

 

 

 

 

(2) شيخ الإسلام ابن تيمية:
قال ابن تيمية (رحمه الله تعالى): إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يصلي قبل الجمعة بعد الأذان شيئًا، ولا نقَل هذا عنه أحدٌ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يؤذَّن على عهده إلا إذا قعد على المنبر، ويؤذن بلالٌ، ثم يخطب النبي صلى الله عليه وسلم الخطبتين، ثم يقيم بلالٌ، فيصلي النبي صلى الله عليه وسلم بالناس، فما كان يمكن أن يصلي بعد الأذان لا هو ولا أحدٌ من المسلمين الذين يصلُّون معه صلى الله عليه وسلم، ولا نقَل عنه أحدٌ أنه صلى في بيته قبل الخروج يوم الجمعة، ولا وقَّت بقوله: صلاةٌ مقدرةٌ قبل الجمعة، بل ألفاظه صلى الله عليه وسلم فيها الترغيب في الصلاة إذا قدم الرجل المسجد يوم الجمعة من غير توقيتٍ؛ كقوله: ((مَن بكَّر وابتكر، ومشى ولم يركَب، وصلَّى ما كُتب له)).
وهذا هو المأثور عن الصحابة، كانوا إذا أتَوا المسجد يوم الجمعة يصلُّون من حين يدخلون ما تيسَّر؛ فمنهم من يصلي عشر ركعاتٍ، ومنهم من يصلي اثنتي عشرة ركعةً، ومنهم من يصلي ثمانَ ركعاتٍ، ومنهم من يصلي أقل من ذلك.
ولهذا كان جماهير الأئمة متفقين على أنه ليس قبل الجمعة سنةٌ مؤقتةٌ بوقت، مقدرةٌ بعدد؛ لأن ذلك إنما يثبُتُ بقول النبي صلى الله عليه وسلم أو فعله، وهو لم يسُنَّ في ذلك شيئًا، لا بقوله ولا فعله، وهذا مذهب مالكٍ، ومذهب الشافعي، وأكثر أصحابه، وهو المشهور في مذهب أحمد؛ (فتاوى ابن تيمية جـ 24 صـ: 189:188).

 

 

 

 

 

(3) الإمام ابن القيم:
قال الإمام ابن القيم (رحمه الله تعالى): كان بلالٌ إذا فرغ من أذان الجمعة أخذ النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة، ولم يقُمْ أحدٌ يركع ركعتين البتة، ولم يكن الأذان إلا واحدًا، وهذا يدل على أن الجمعة كالعيد، لا سنَّة لها قبلها، وهذا أصح قولي العلماء، وعليه تدل السنَّة؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج من بيته، فإذا رقي المنبرَ أخذ بلالٌ في أذان الجمعة، فإذا أكمله أخذ النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة من غير فصلٍ، وهذا كان رأيَ عينٍ، فمتى كانوا يصلون السنَّة؟ ومن ظن أنهم كانوا إذا فرغ بلالٌ رضي الله عنه من الأذان قاموا كلهم فركعوا ركعتين، فهو أجهل الناس بالسنَّة، وهذا الذي ذكرناه – مِن أنه لا سنَّة قبلها – هو مذهب مالكٍ، وأحمد في المشهور عنه، وأحد الوجهين لأصحاب الشافعي، والذين قالوا: إن لها سنةً، منهم من احتج أنها ظُهرٌ مقصورةٌ، فيثبت لها أحكام الظهر، وهذه حجةٌ ضعيفةٌ جدًّا؛ فإن الجمعة صلاةٌ مستقلةٌ بنفسها، تخالف الظهر في الجهر، والعدد، والخطبة، والشروط المعتبرة لها، وتوافقها في الوقت، ومنهم من أثبت السنَّة القبلية للجمعة بالقياس على الظُّهر، وهو أيضًا قياسٌ فاسدٌ؛ فإن السنة ما كان ثابتًا عن النبي صلى الله عليه وسلم من قولٍ أو فعلٍ، أو سنة خلفائه الراشدين، وليس في مسألتنا شيءٌ من ذلك، ولا يجوز إثبات السنن في مثل هذا بالقياس، ومنهم من احتج بما ذكره البخاري في (صحيحه) فقال: باب الصلاة قبل الجمعة وبعدها، ثم روى البخاري عن عبدالله بن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل الظهر ركعتين، وبعدها ركعتين، وبعد المغرب ركعتين في بيته، وبعد العِشاء ركعتين، وكان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف، فيصلي ركعتين؛ (البخاري حديث:937).

 

 

 

 

وهذا الحديث لا حجة فيه، ولم يُرِد به البخاري إثبات السنَّة قبل الجمعة، وإنما مراده أنه: هل ورد في الصلاة قبلها أو بعدها شيءٌ؟ ثم ذكر هذا الحديث؛ أي: إنه لم يرو عنه فعل السنة إلا بعدها، ولم يرد قبلها شيءٌ، وهذا نظيرُ ما فعل في كتاب العيدين؛ فإنه قال: باب الصلاة قبل العيد وبعدها، وقال أبو المعلى: سمعت سعيدًا عن ابن عباسٍ: أنه كره الصلاة قبل العيد، ثم ذكر حديث سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عباسٍ: أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوم الفطر فصلى ركعتين لم يصلِّ قبلهما ولا بعدهما، ومعه بلالٌ..؛ الحديث، وذكر للعيد حديثًا دالًّا على أنه لا تشرع الصلاة قبلها ولا بعدها، فدل على أن مراده من الجمعة كذلك، وقد ظن بعضهم أن الجمعة لما كانت بدلًا عن الظهر، دلَّ على أن الجمعة كذلك، وإنما قال: وكان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف؛ بيانًا لموضع صلاة السنة بعد الجمعة، وأنه بعد الانصراف، وهذا الظن غلطٌ منه؛ لأن البخاري قد ذكر في باب التطوع بعد المكتوبة حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: صليتُ مع النبي صلى الله عليه وسلم سجدتين قبل الظهر، وسجدتين بعد الظهر، وسجدتين بعد المغرب، وسجدتين بعد العِشاء، وسجدتين بعد الجمعة، فأما المغرب والعِشاء ففي بيته؛ (البخاري حديث:1172).

 

 

 

 

 

فهذا صريحٌ في أن الجمعة عند الصحابة صلاةٌ مستقلةٌ بنفسها غير الظهر، وإلا لم يحتَجْ إلى ذكرها؛ لدخولها تحت اسم الظهر، فلما لم يذكر لها سنةً إلا بعدها، عُلِم أنه لا سنَّة لها قبلها، وأما بالنسبة لما رواه مسلمٌ عن جابر بن عبدالله قال: جاء سليكٌ الغطفاني يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فجلس، فقال له: ((يا سليك، قُمْ فاركع ركعتين وتجوَّز فيهما))، ثم قال: ((إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب، فليركع ركعتينِ، وليتجوَّزْ فيهما))؛ (مسلم ـ كتاب الجمعة ـ حديث: 59) – فإن النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يأمر بهاتين الركعتين إلا الداخلَ؛ لأجل أنها تحيةُ المسجد، ولو كانت سنةَ الجمعة لأمر بها القاعدين أيضًا، ولم يخصَّ بها الداخل وحده؛ (زاد المعاد لابن القيم جـ 1 صـ 431: 435).

 

 

 

 

 

• أذان الجمعة:
أذان يوم الجمعة يكون بعد صعود الإمام على المنبر.
روى البخاري عن السائب بن يزيد قال: كان النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على المنبر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكرٍ وعمر رضي الله عنهما، فلما كان عثمان رضي الله عنه، وكثر الناس، زاد النداءَ الثالثَ على الزَّوْراء؛ (البخاري حديث 912).
وروى النسائي عن السائب بن يزيد قال: كان بلالٌ يؤذِّن إذا جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يوم الجمعة، فإذا نزل أقام، ثم كان كذلك في زمن أبي بكرٍ وعمر رضي الله عنهما؛ (حديث صحيح؛ صحيح النسائي للألباني، حديث 1321).

 

 

 

 

 

 

 

• ما يلزم نداء الجمعة:
إذا صَعِدَ الإمام على المنبر، وأذَّن المؤذن، يحرُمُ البيع والشراء، وكل ما هو من نوعه؛ من العقود، وواجب أيضًا السعي إلى المسـاجد، وهذان الأمران يختصان بالمخاطَبين بصلاة الجمعة؛ وذلـك لقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الجمعة: 9].
وأما غيرهم من النساء والصِّبيان والعبيد والمسافرين، فلا يثبت في حقهم ذلك، وأما إذا كان أحد المتبايِعَيْنِ مخاطبًا بصلاة الجمعة والآخر غير مخاطب بها، حرُمُ في حق المخاطَب، وكُرِه في حق غيره؛ لما في ذلك من الإعانة على الإثم، ويحتمل أن يحـرم؛ لقوله تعالى: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾ [المائدة: 2]، وتعليق النهي عن البيع مرتبط بنداء الجمعة، ولو كان قبل الزوال، ومن كان بيته بعيدًا، لزمه السعي قبل الأذان بوقت يستطيع به أن يدرك الجمعة؛ (المغني لابن قدامة جـ 3 صـ 163)، (روضة الطالبين للنووي جـ 2 صـ 47).

 

 

 

 

 

 

• شروط صحة صلاة الجمعة:
إن لصلاة الجمعة شروطًا أربعة لا تصح إلا بها، وهي:
(1)الوقت، (2) الاستيطان، (3) العدد، (4) الخطبتان؛ (الشرح الكبير مع المغني جـ 3 صـ 33).
وسوف نتحدث عن شروط صحة الجمعة بإيجاز:
• أولًا: الوقت:
وقت الجمعة هو وقت صلاة الظهر؛ (المغني لابن قدامة جـ 3 صـ 159)، (بداية المجتهد لابن رشد جـ 1 صـ 226).
روى البخاري عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الجمعة حين تميلُ الشمس؛ (البخاري حديث 9، 4).
وروى الشيخان عن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال: كنا نجمِّعُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا زالت الشمس، ثم نرجع نتتبع الفَيْءَ؛ (أي الظِّلَّ)؛ (مسلم جـ 2 حديث 86).
• قال ابن قدامة: اتفق علماء الأمة على أن ما بعد الزوال (أي وقت الظهيرة) وقت الجمعة، (المغني جـ 3 صـ 16).

 

 

 

 

 

 

• ثانيًا: الاستيطان:
المقصود بالاستيطان هو الإقامة في قرية أو مدينة؛ ولذا فإن صلاة الجمعة ليست واجبةً على المسافر؛ (المغني جـ 3 صـ 2، 6).
قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم، والخلفاء مِن بعده، كانوا يسافرون فلا يصلون الجمعة، ويظهر ذلك جليًّا: أن النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع قد جاء يوم عرفات يوم جمعة، فجمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر جمعَ تقديم، ولم يصلِّ الجمعة؛ (مسلم حديث 1218).
• ثالثًا: العدد الذي تنعقد به الجمعة:
تنعقد صلاة الجمعة باثنين مع الخطيب.
• قال شيخ الإسلام ابن تيمية: تنعقد الجمعة بثلاثة: واحد يـخطب، واثنان يستمعان، وهو إحدى الروايات عن أحمد، وقول طائفة من العلماء؛ (الفتاوى الكبرى جـ 5، الاختيارات العلمية صـ 355).
روى أبو داود عن أبي الدرداء قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما مِن ثلاثةٍ في قريةٍ ولا بدوٍ لا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان، فعليك بالجماعةِ؛ فإنما يأكل الذئبُ القاصيةَ))؛ (حديث حسن؛ صحيح أبي داود حديث 511).
• قال ابن عثيمين: الصلاة عامة تشمل الجمعة وغيرها، فإن كانوا ثلاثة في قرية لا تقام فيهم الصلاة، فإن الشيطان قد استحوذ عليهم، وهذا يدل على وجوب صلاة الجمعة على الثلاثة، ثم قال: لا بد من جماعة تستمع، وأقلها اثنان، والخطيب هو الثالث، وحديث أبي الدرداء يؤيد ذلك؛ (شرح زاد المستقنع جـ 5 صـ 51: 53).

 

 

 

 

 

 

• رابعًا: الخُطبتان:
قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الجمعة: 9].
• قال سعيد بن المسيَّب: ﴿ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ﴾ [الجمعة: 9]: موعظة الإمام؛ (زاد المسير جـ 8 صـ 265).
• قال القرطبي: قوله تعالى: ﴿ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ﴾ [الجمعة: 9]؛ أي: الصلاة، وقيل: الخطبة والموعظة؛ قاله سعيد بن جبير.
قال ابن العربي: والصحيح أنه واجب في الجميع، وأوله الخطبة؛ (القرطبي جـ 18 صـ 1، 4).
روى الشيخان عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطُبُ خُطبتين يقعد بينهما؛ (البخاري حديث 928 / مسلم حديث 862).
• مكان الخطبة:
يستحبُّ أن يصعد الإمام على منبر ليسمع الناس؛ فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس على منبره، وليس صعود المنبر واجبًا، فلو خطب الإمام على الأرض، أو مكان مرتفع، أو على وسادة، أو على راحلته، أو غير ذلك – جاز؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يُصنَعَ له المنبر كان يقوم على الأرض.
روى البخاري عن عبدالله بن عمر قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب على المنبر، فقال: ((مَن جاء إلى الجمعة، فليغتسل))؛ (البخاري حديث 919).

 

 

 

 

 

• فائدة هامة:
يستحب أن يكون المنبر ثلاث درجات، كما كان منبر النبي صلى الله عليه وسلم.
• أركان الخطبة:
إن للخطبة أركانًا يجب على الخطيب مراعاتها، وهي كما يلي:
1- حمد الله تعالى.
2- الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
3- قراءة شيءٍ من القرآن.
4- الوصية بتقوى الله تعالى.
5- الدعاء في آخر الخطبة؛ (الأم للشافعي جـ 1 صـ 2).

 

 

 

 

 

• الإنصات لخطبة الجمعة:
يجب على الناس الإنصات إلى ما يقوله الخطيب، ولا يجوز لهم أن يتحدثوا مع بعضهم البعض، أو مع غيرهم أثناء الخطبة إلا لعذر، مثل: تحذير ضرير يخشى وقوعه، أو تحذير الناس من ثعبان أو عقرب، أو ما شابه ذلك.
روى الشيخانِ عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا قلتَ لصاحبك يوم الجمعة: أنصِتْ، والإمام يخطب، فقد لغَوْتَ))؛ (البخاري حديث 934/ مسلم حديث 583).
• قال ابن حجَر العسقلاني (في تعليقه على هذا الحديث): قال العلماء: لا جمعةَ له كاملة؛ للإجماع على إسقاط فرض الوقت عنه.
وقال رحمه الله أيضًا: وقالوا: وإذا أراد الأمرَ بالمعروف، فليجعَلْه بالإشارة؛ (فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ 2 صـ 481).
• قال ابن أبي شيبة: حدثنا ابن نمير قال: حدثنا عبيدالله، عن نافع، عن ابن عمر: أنه رأى رجلًا يتكلم والإمام يخطب يوم الجمعة، فرماه بحصًى، فلما نظَر إليه، وضَع يده على فيه؛ (حديث صحيح؛ مصنف ابن أبي شيبة جـ 2 صـ 26).
• تسليم الإمام على الناس إذا صعِد المنبر:
إذا صعِد الإمام على المنبر، استقبل المصلين بوجهه، وسلَّم عليهم، ثم يجلس حتى ينتهي المؤذن من الأذان، وعلى المصلين ردُّ السلام على الإمام.
• روى ابن ماجه، عن جابر بن عبدالله: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صعِد المنبر سلَّم؛ (حديث حسن؛ صحيح ابن ماجه حديث 91).

 

 

 

 

 

 

• قِصَرُ الخطبة وإطالة الصلاة:
يجب أن تعلم السنة: قِصر خطبة الجمعة، وإطالة الصلاة.
• روى مسلم عن عمار بن ياسر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن طول صلاة الرجلِ، وقِصَرَ خطبته: مَئِنَّةٌ من فقهه؛ فأطيلوا الصلاة، واقصروا الخطبة، وإن من البيان سحرًا))؛ (مسلم حديث 896).
• وروى مسلم عن جابر بن سمرة قال: كنتُ أصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم الصلواتِ، فكانت صلاته قصدًا، وخطبتُه قصدًا؛ (مسلم حديث 866).
• روى أبو داود عن عمار بن ياسرٍ قال: أمَرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بإقصار الخُطب؛ (حديث صحيح؛ صحيح أبي داود للألباني حديث 978).
• وروى أبو داود عن جابر بن سمرة السوائي، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يُطيل الموعظة يوم الجمعة، إنما هنَّ كلماتٌ يسيراتٌ؛ (حديث حسن؛ صحيح أبي داود للألباني، حديث 979).
وإنما كان قِصَرُ الخطبة علامةً على فقه الرجل؛ لأن الفقيه هو المطلع على حقائق المعاني، وجوامع الألفاظ، فيتمكَّن من التعبير بالعبارة الجزلة المفيدة.

 

 

 

 

 

 

رفع الصوت عند الخطبة:
من السنَّة أن يرفع الخطيب صوتَه ليسمع الناس.
روى مسلم عن جابر بن عبدالله قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب، احمَرَّتْ عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبُه، حتى كأنه منذرُ جيشٍ يقول: صبَّحكم ومسَّاكم؛ (مسلم حديث 867).
كلام الإمام مع المصلِّين:
يجوز أن يتكلَّمَ الإمامُ مع المصلين، وكذلك يجوز للمصلِّين أن يستفسروا مِن الإمام عما يريدون، ولا حرج في ذلك.
روى مسلم عن جابر بن عبدالله قال: جاء سُليكٌ الغطفاني يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطُبُ، فجلَس، فقال له: ((يا سُليكُ، قم فاركع ركعتين، وتجوَّز فيهما))، ثم قال: ((إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب، فليركَعْ ركعتين، وليتجوَّزْ فيهما))؛ (مسلم – كتاب الجمعة حديث 59).

 

 

 

 

روى الشيخان عن أنس بن مالك قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة إذ قام رجلٌ فقال: يا رسول الله، هلك الكراع، وهلك الشَّاء، فادعُ الله أن يسقينا، فمد يديه ودعا؛ (البخاري حديث 932 / مسلم حديث 612).
ويتضح من هذا الحديث: أن كلام المصلي مع الخطيب لو كان حرامًا لأنكره النبي صلى الله عليه وسلم.
روى الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن عمر بن الخطاب بينما هو قائمٌ في الخطبة يوم الجمعة إذ دخل رجلٌ من المهاجرين الأوَّلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فناداه عمر: أية ساعةٍ هذه؟ قال: إني شغلتُ فلم أنقلب إلى أهلي حتى سمعت التأذين، فلم أزِدْ أن توضأتُ، فقال: والوضوء أيضًا وقد علمتَ أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرُ بالغسل؟! (البخاري حديث 878 / مسلم حديث 845).

 

 

 

 

 

قال ابن قدامة:
ولا يحرم الكلام على الخطيب، ولا على مَن سأله الخطيب، ثم ذكر حديث سُلَيك الغطفاني، وعمر بن الخطاب مع الصحابي الذي دخل إلى المسجد وقد توضأ فقط، ثم قال: ولأن تحريم الكلام عِلَّته الاشتغالُ به عن الإنصات الواجب، وسماع الخطبة، ولا يحصل ها هنا، وكذلك مَن كلَّم الإمام لحاجةٍ، أو سأله عن مسألةٍ، بدليل الخبر الذي تقدم ذكره؛ (المغني لابن قدامة جـ 3 صـ 197: صـ 198).

 

 

 

 

رد السلام وتشميت العاطس:
ينبغي لمن دخل المسجد يوم الجمعة والإمام يخطب أن يصلِّيَ ركعتين تحية المسجد، وليتجوز فيهما، ثم يجلس وينصت للإمام، ولا يلقي السلام على أحد من المصلين أثناء الخطبة، وإذا عطس حَمِد الله في سرِّه، وإذا ألقى عليه أحدٌ السلامَ لا يردُّ عليه بالقول، ولكن يشيرُ بيده، وإذا عطس أحدٌ فلا يشمِّته.
قال ابن قدامة: قال أبو داود: قلت لأحمد: يرد السلام والإمام يخطب، ويشمِّت العاطس؟ فقال: إذا كان ليس يسمع الخطبة فيرد، وإذا كان يسمع فلا؛ لقول الله تعالى: ﴿ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا ﴾ [الأعراف: 204]، وقيل لأحمد: الرجلُ يسمع نغمة الإمام بالخطبة، ولا يدري ما يقول، يرد السلام؟ قال: لا، إذا سمع شيئًا، ورُوي نحو ذلك عن عطاءٍ؛ وذلك لأن الإنصات واجبٌ، فلم يجز الكلام المانع منه من غير ضرورةٍ، كالأمر بالإنصات، بخلاف من لم يسمع، وقال القاضي: لا يرد ولا يشمت.
وروي نحو ذلك عن ابن عمر، وهو قول مالكٍ، والأوزاعي، وأصحاب الرأي، واختلف فيه الشافعي؛ (المغني لابن قدامة جـ 3 صـ 198: صـ 199)، (فتاوى اللجنة الدائمة جـ 8 صـ 242: صـ 246).

 

 

 

 

 

الكلام بين الخطبتين:
قال ابن قدامة: الكلام في الجلسة بين الخطبتين، يحتمل أن يكون جائزًا؛ لأن الإمام غير خاطبٍ ولا متكلمٍ، فأشبه ما قبلها وبعدها، وهذا قول الحسن، ويحتمل أن يمنع منه، وهو قول مالكٍ، والشافعي، والأوزاعي، وإسحاق؛ لأنه سكوتٌ يسيرٌ في أثناء الخطبتين، أشبه السكوت للتنفس، (المغني لابن قدامة جـ 3 صـ 200).

 

 

 

 

 

تحية المسجد أثناء الخطبة:
يسنُّ أداء ركعتين تحية المسجد لكل من دخل المسجد، حتى ولو كان الإمام يخطب، ولا يسن للإمام تحية المسجد إذا دخل لصعود المنبر للخطبة، وأما من دخل عند الأذان فإنه يردده ثم يصلي تحية المسجد، وإذا دخل وجلس ثم تذكر أنه لم يصلِّ، فإنه يقوم ليصلي تحية المسجد، ودليل ذلك ما يلي:
1 – روى مسلم عن جابر بن عبدالله قال: جاء سليكٌ الغطفاني يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب، فجلس، فقال له: ((يا سُلَيك، قُمْ فاركع ركعتين، وتجوَّز فيهما))، ثم قال: ((إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب، فليركع ركعتين، وليتجوَّز فيهما))؛ (مسلم – كتاب الجمعة حديث 59).

 

 

 

 

 

جمع الصدقات أثناء الخطبة:
لا يجوز جمع الصدقات أثناء الخطبة؛ لأن ذلك مما يَشغَلُ المصلِّين عن الخُطبة.
قال ابن قدامة:
قال أحمد: لا تتصدَّق على السُّؤَّالِ والإمام يخطب؛ وذلك لأنهم فعلوا ما لا يجوز؛ فلا يُعِينهم عليه.
قال أحمد: وإن حصَبه كان أعجبَ إليَّ؛ لأن ابن عمر رأى سائلًا يسأل، والإمام يخطب يوم الجمعة، فحصبه، وقيل لأحمد: فإن تصدق عليه إنسانٌ فناوله والإمام يخطب؟ قال: لا يأخذ منه، قيل: فإن سأل قبل خطبة الإمام، ثم جلس، فأعطاني رجلٌ صدقةً أناولها إياه؟ قال: نعم، هذا لم يسأل والإمام يخطب؛ (المغني لابن قدامة جـ 3 صـ 201).

 

 

 

 

 

موقف من لا يسمع الخطبة:
قال ابن قدامة: وللبعيد أن يذكر الله، ويقرأ القرآن، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يرفع صوته، قال أحمد: لا بأس أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم فيما بينه وبين نفسه، رخَّص له في القراءة والذكر عطاءٌ وسعيد بن جبير والنخَعي والشافعي، وليس له أن يرفع صوته، ولا يذاكر في الفقه، ولا يصلي، ولا يجلس في حلقة، وذكر ابن عقيل أنله المذاكرة في الفقه، وصلاة النافلة.
ثم قال في موضع آخر: وإذا ذكَر الله فيما بينه وبين نفسه مِن غير أن يُسمِعَ أحدًا فلا بأس، وهل ذلك أفضل أو الإنصات؟ يحتمل وجهين.

 

 

 

 

 

 

أحدهما: الإنصات أفضل.
1 – روى أبو داود عن عبدالله بن عمرٍو، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يحضُرُ الجمعةَ ثلاثة نفرٍ؛ رجلٌ حضرها يلغو، وهو حظه منها، ورجلٌ حضرها يدعو، فهو رجلٌ دعا الله عز وجل، إن شاء أعطاه، وإن شاء منعه، ورجلٌ حضرها بإنصاتٍ وسكوتٍ، ولم يتخطَّ رقبة مسلمٍ، ولم يؤذِ أحدًا؛ فهي كفارةٌ إلى الجمعة التي تليها، وزيادة ثلاثة أيامٍ؛ وذلك بأن الله عز وجل يقول: ﴿ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ﴾ [الأنعام: 160]؛ (حديث حسن؛ صحيح أبي داود، حديث 984).
2 – لقول عثمانَ بن عفان: مَن كان قريبًا يَسمَع ويُنصِت، ومن كان بعيدًا يُنصت؛ فإن للمُنصِت الذي لا يسمَع مِن الحظ ما للسامعِ؛ (المغني لابن قدامة جـ 3 صـ 196: صـ 197).

 

 

 

 

 

والثاني: الذِّكر أفضل:
لأنه يحصل له ثوابه من غير ضرر؛ فكان أفضلَ كما كان قبل الخطبة.
قال الإمام الشافعي: إذا كان لا يسمع مِن الخطبة شيئًا، فلا أكرَهُ أن يقرأَ في نفسه، ويذكُرَ الله تبارك اسمُه، ولا يكلم الآدميين؛ (الأم للشافعي جـ 1 صـ 204).

 

 

 

 

القراءة في صلاة الجمعة:
من السنَّة للإمام: أن يقرأ في الركعة الأولى من صلاة الجمعة بعد الفاتحة بسورة الأعلى، وفي الركعة الثانية بسورة الغاشية، أو يقرأ في الركعة الأولى بسورة الجمعة، وفي الثانية بسورة المنافقون.
روى مسلمٌ عن النعمان بن بشيرٍ قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في العيدين وفي الجمعة بـ: ﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ﴾ [الأعلى: 1]، و﴿ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ ﴾ [الغاشية: 1]؛ (مسلم حديث 878).
وروى مسلم عن ابن عباسٍ: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة الم تنزيل السجدة، و﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ ﴾ [الإنسان: 1]، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الجمعة سورة الجمعة والمنافقين؛ (مسلم حديث 879).

 

 

 

 

 

 

إدراك صلاة الجمعة:
مَن أدرك ركعة من الجمعة مع الإمام، فهو مدرِكٌ لها، يضيف إليها ركعة أخرى، ويكون بذلك قد أدرك صلاة الجمعة؛ (المغني لابن قدامة جـ 3 صـ 183: صـ 186).
روى ابن ماجه عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن أدرك من الجمعة ركعةً، فليُصلِّ إليها أخرى))؛ (حديث صحيح؛ صحيح ابن ماجه للألباني حديث 920).
ومفهوم هذا الحديث: أن من أدرك أقلَّ من ركعة لم يكن مدركًا لصلاة الجمعة.
وروى الشيخان عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من أدرك ركعةً من الصلاة، فقد أدرك الصلاة))؛ (البخاري حديث 580/ مسلم حديث 607).
روى عبدالرزَّاق عن معمَرٍ عن أيوب عن نافع: أن ابن عمر قال: إذا أدرك الرجلُ يوم الجمعة ركعة، صلَّى إليها ركعة أخرى، فإن وجدهم جلوسًا صلَّى أربعًا؛ (حديث صحيح؛ مصنف عبدالرزاق جـ 3 صـ 234 رقم 5471).
الصلاة بعد أداء الجمعة:

 

 

 

 

 

يستحب للمسلم أن يصلِّي بعد الجمعة ركعتين أو أربعًا.
روى مسلمٌ عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا صلَّى أحدُكم الجمعة، فليُصلِّ بعدها أربعًا))؛ (مسلم حديث 881).
روى الشيخان عن عبدالله بن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلِّي قبل الظُّهر ركعتين، وبعدها ركعتين، وبعد المغرب ركعتين في بيته، وبعد العِشاء ركعتين، وكان لا يصلِّي بعد الجمعة حتى ينصرفَ، فيصلي ركعتين؛ (البخاري حديث 937 / مسلم حديث 882).

 

 

 

 

 

إقامة الجمعة مع أهل البِدَع.
قال ابن قدامة: وتجب الجمعة والسعي إليها، سواءٌ كان مَن يقيمها سنِّيًّا، أو مبتدِعًا، أو عدلًا، أو فاسقًا.
نص عليه أحمد، وروي عن العباس بن عبدالعظيم: أنه سأل أبا عبدالله عن الصلاة خلفهم – يعني المعتزلة – يوم الجمعة؟ قال: أما الجمعة فينبغي شهودُها، فإن كان الذي يصلي منهم، أعاد، وإن كان لا يدري أنه منهم، فلا يُعيد.
قلت: فإن كان يقال: إنه قد قال بقولهم؟ قال: حتى يستيقنَ.
ولا أعلَمُ في هذا بين أهل العلم خلافًا، والأصل في هذا عمومُ قول الله تعالى: ﴿ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ﴾ [الجمعة: 9]، وإجماعُ الصحابة رضي الله عنهم؛ فإن عبدالله بن عمر وغيرَه مِن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يشهدونها مع الحَجَّاجِ ونظرائه، ولم يُسمَع من أحدٍ منهم التخلُّف عنها.
وقال عبدالله بن أبي الهذيل: تذاكرنا الجمعة أيام المختار، فأجمع رأيهم على أن يأتوه، فإنما عليه كذبُه.
ولأن الجمعة مِن أعلام الدِّين الظاهرة، ويتولاها الأئمةُ ومَن ولَّوْه، فتركُها خلفَ مَن هذه صفتُه: يؤدِّي إلى سقوطها؛ (المغني لابن قدامة جـ 3 صـ 170:169).

 

 

 

 

 

تعدُّد المساجد التي تقام فيها الجمعة:
من المعلوم أن الغرضَ من صلاة الجمعة هو أن يجتمع الناس في مكان واحد خاشعين لربهم، فتوثَّق بينهم روابط الألفة، وتَقْوى صلات المحبة، وتحيا في أنفسهم عاطفة الرحمة والرفق، وتموت عوامل البغضاء والحقد، وكل منهم ينظر إلى الآخر نظرة المودة والإخاء، فيُعين قويُّهم ضعيفَهم، ويساعد غنيُّهم فقيرَهم، ويرحم كبيرُهم صغيرَهم، ويوقِّر صغيرُهم كبيرَهم، ويشعرون جميعًا بأنهم عبيدُ الله وحده، وأنه هو الغني الحميد، ذو السلطان القاهر، والعظمة التي لا حدَّ لها، ذلك بعض أغراض الشريعة الإسلامية من حثِّ الناس على الاجتماع في العبادة، ومما لا ريب فيه أن تعدد المساجد لغير حاجة يذهب بهذه المعاني السامية؛ لأن المسلمين يتفرقون في المساجد، فلا يشعرون بفائدة الاجتماع، ولا تتأثر أنفسهم بعظمة الخالق الذي يجتمعون لعبادته خاضعين متذلِّلين، فمن ذلك قال بعض الأئمة: إذا تعدَّدت المساجد لغير الحاجة، فإن الجمعة لا تصحُّ إلا لِمن سبق بها في هذه المساجد، فمن سبق بيقينٍ، كانت الجمعةُ له، وأما غيره فإنه يصليها ظهرًا؛ (الأم للشافعي جـ 1 صـ 192)، (الفقه على المذاهب الأربعة للجزيري جـ 1 صـ 310).
قال الخرقي – رحمه الله -: إذا كان البلد كبيرًا يحتاج إلى جوامع، فصلاة الجمعة في جميعها جائزةٌ.
[cov2019]