رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يؤكد أن إتقان العبادة والعمل قيمة عليا
بقلم \ المفكر العربي الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربى الدولى
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
الرئيس التنفيذي لجامعة بيرشام الدولية بأسبانيا
مما لاشك فيه أن إتقانِ العبادةِ والعملِ في الإسلامِ قيمةٌ عُليَا، وصفةُ الإتقانِ وصفَ اللهُ بها نفسَهُ لتنقلَ إلى عبادهِ، قال تعالى: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ }. (النمل: 88). وقيمةُ إتقانِ العملِ توصلُ العبدَ إلى محبةِ اللهِ تعالي ، فعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلا أَنْ يُتْقِنَهُ». ( الطبراني والبيهقي بسند حسن ). ولقد أحسنَ مَن قال:
إذا عملَ المرءُ المكلفُّ مرةً …. عملًا فإنَّ العيبَ ألّا يحسنهُ
فقـــــدْ ذكرَ المختارُ أنَّ إلهنَا ….. يحــــــبُّ لعبدٍ خافَهُ أنْ يتقنَهُ
وليس هذا فحسب بل إنَّ الرسولَ صلواتُ ربِّي وتسليماتُه عليه حثّنَا على إتقانِ وإحسانِ الذبحِ رأفةً ورحمةً بالطيرِ والحيوانِ، فعَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، أَن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ». (مسلم).
وفي مجالِ العبادةِ حثَّنَا الإسلامُ على إتقانِهَا وأدائِهَا كاملةَ الأركانِ والشروطِ والواجباتِ، وإلّا كانتْ هباءً منثورًا. فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ المَسْجِدَ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ فِي نَاحِيَةِ المَسْجِدِ، فَصَلَّى ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَعَلَيْكَ السَّلاَمُ، ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ» فَرَجَعَ فَصَلَّى ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ، فَقَالَ: «وَعَلَيْكَ السَّلاَمُ، فَارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ» فَقَالَ فِي الثَّانِيَةِ، أَوْ فِي الَّتِي بَعْدَهَا: عَلِّمْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: «إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاَةِ فَأَسْبِغِ الوُضُوءَ، ثُمَّ اسْتَقْبِلِ القِبْلَةَ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ بِمَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَسْتَوِيَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاَتِكَ كُلِّهَا». ( متفق عليه ).
إنَّ الإتقانَ مطلوبٌ حتى في الأمورِ التي لا يتوقفُ عليها نفعٌ أو ضررٌ للميتِ، فقد قال ﷺ: ” إِذَا كَفَّنَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُحَسِّنْ كَفَنَهُ “( مسلم) ،حتى في الدفنِ واللحدِ أُمرَنَا بالإتقانِ، ففي دفنِ أحدِ الصحابةِ جعلَ رسولُ اللهِ ﷺ يقولُ: ” سَوُّوا لَحْدَ هَذَا ” حَتَّى ظَنَّ النَّاسُ أَنَّهُ سُنَّةٌ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: ” أَمَا إِنَّ هَذَا لَا يَنْفَعُ الْمَيِّتَ وَلَا يَضُرُّهُ، وَلَكِنَّ اللهَ يُحِبُّ مِنَ الْعَامِلِ إِذَا عَمِلَ أَنْ يُحْسِنَ ” .( البيهقي في الشعب ).
فانظر كيف أمرَ بالإتقانِ حتى في هذا الموضعِ الذي لا يضرُّ الميت فيه سقطَ عليهِ الترابُ أمْ لا، إذا ما ضرَّ الشاةُ سلخهَا بعدَ ذبحِهَا، ولكنّه التوجيهُ بالإتقانِ وتنميتهُ لدى الضميرِ المسلمِ الواعِي ليكونَ دافعًا قويًّا للدعوةِ إلى إحسانِ العملِ وإجادتهِ أيًّا كان، فإذا كان هذا في القبرِ وحالِ الموتِ ففيما هو أكبرُ منها أولَى وأجدرُ!!
فالمسلمُ مطالبٌ بالإتقانِ في كلِّ عملٍ؛ لأنَّ كلَّ عملٍ يقومُ بهِ المسلمُ بنيّةِ العبادةِ هو عملٌ مقبولٌ عندَ اللهِ يُجازى عليه سواءٌ كان عملَ دنيا أمْ آخرة، وكونُنَا مسلمين فنحن مُطالبون بالإتقانِ في كلِّ عملٍ تعبديٍّ أو سلوكيٍّ أو حياتيٍّ: { قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }. [الأنعام:162].
إنِّ الفردَ في هذه الحياةِ يعملُ بجدٍ وإخلاصٍ وجودةٍ وإتقانٍ إذا كان يعملُ لنفسهِ، إمَّا إذا كان يعملُ في شركةٍ أو وظيفةٍ أو مؤسسةٍ أو وزارةٍ، فإنَّه لا يُبالِي بعملِه؛ وإنْ شغلَهُ الشاغل التوقيعُ في دفترِ الحضورِ والانصرافِ ( شاهدُ الزورِ )، ولا يهمُّهُ بعدَ ذلك جودةً أو خدمةً أو إتقانًا أو قيامَ مجتمعٍ أو سقوطَهُ أو مراقبةً أو غيرَ ذلك !!!
وأسوقُ لكم قصةً واقعيةً تدلُّ على ذلك: يُروى أنَّ هناك رجلًا بناءً يعملُ في إحدَى الشركاتِ لسنواتٍ طويلةٍ، فبلغَ بهِ العمرُ أنْ أرادَ أنْ يقدمَ استقالَتَهُ ليتفرغَ لعائلتهِ، فقال له رئيسُهُ: سوف أقبلُ استقالتَكَ بشرطٍ أنْ تبنِي منزلًا أخيرًا، فقبلَ رجلُ البناءِ العرضَ، وأسرعَ في تخليصِ المنزلِ دونَ (( تركيزٍ وإتقانٍ)) ، مِن ثمَّ سلّمَ مفاتيحَهُ لرئيسهِ ..فابتسمَ رئيسُهُ وقال له: هذا المنزلُ هديةٌ منِّي لك بمناسبةِ نهايةِ خدمتِكَ للشركةِ طولَ السنواتِ الماضيةِ، فَصُدِمَ رجلُ البناءٍ، وندمَ بشدةٍ أنّه لم يتقنْ بناءَ منزلِ العمرِ!!
أقولٌ: لماذا تَرضَى للآخرين ما لا ترضاهُ لنفسِك؟!! لماذا تهتمُّ بعملِكَ الخاص ونفعُهُ خاصٌ غيرُ متعدٍّ، ولا تهتمُّ بأعمالِ الآخرينِ والوظائفِ العامةِ ونفعُهَا يعمُّ الآخرين؟!!:
يُحكَى أنَّه حدثتْ مجاعةٌ بقريةٍ فطلبَ الوالِي مِن أهلِ القريةِ طلبًا غريبًا كمحاولةِ منه لمواجهةِ خطرِ القحطِ والجوعِ، وأخبرَهُم بأنَّه سيضعُ قِدرًا كبيرًا في وسطِ القريةِ، وأنَّ على كلِّ رجلٍ وامرأةٍ أنْ يضعَ في القِدرِ كوبًا مِن اللبنِ بشرطِ أنْ يضعَ كلُّ واحدٍ الكوبَ متخفيًّا دونَ أنْ يشاهدَهُ أحدٌ، فهرعَ الناسُ لتلبيةِ طلبِ الوالِي؛ فكلٌّ منهم تخفَّى بالليلِ وسكبَ الكوبَ الذي يخصُّهُ؛ وفي الصباحِ فتحَ الوالِي القدرَ .. وماذا شاهدَ؟! شاهدَ القدرَ وقد امتلأَ بالماءِ!! أين اللبنُ؟! ولماذا وضعَ كلُّ واحدٍ مِن الرعيةِ الماءَ بدلًا مِن اللبنِ؟!
الإجابةُ: أنَّ كلَّ واحدٍ مِن الرعيةِ قال في نفسِه: ” إنَّ وضعِي لكوبٍ واحدٍ مِن الماءِ لن يؤثرَ على كميةِ اللبنِ الكبيرةِ التي سيضعهَا أهلُ القريةِ “؛ وكلٌّ منهم اعتمدَ على غيرِه، وكلٌّ منهم فكَّرَ بالطريقةِ نفسِهَا التي فكَّرَ بها أخوه، وظنَّ أنَّه هو الوحيدُ الذي سكبَ ماءً بدلًا مِن اللبنِ، والنتيجةُ التي حدثتْ: أنَّ الجوعَ عمَّ هذه القريةَ وماتَ الكثيرون منهم ولم يجدوا ما يُعينُهُم وقتَ الأزماتِ!!
هل تصدقُ أنّك تملأُ الأكوابَ بالماءِ في أشدِّ الأوقاتِ التي نحتاجُ منك أنْ تملأَهَا باللبنِ؟! عندما لا تتقن عملَكَ بحجةٍ أنَّه لن يظهرَ وسطَ الأعمالِ الكثيرةِ التي سيقومُ بها غيرُكَ مِن الناسِ فأنت تملأُ الكوبَ بالماءِ!!! حين تملكُ العلمَ وتبخلُ بهِ عن الآخرين فأنت تملأُ الكوبَ بالماءِ!! حين تبيعُ للناسِ الوهمَ والخزعبلاتِ فأنت تملأُ الكوبَ بالماءِ!! حين تطلقُ على نفسِكَ الألقابَ المزيفةَ بدونِ حقٍّ فأنت تملأُ الكوبَ بالماءِ!! حين تُعلّمُ الآخرين ( فضائلَ ) أنت لا تملكهُا ولا تعمل بها فأنت تملأُ الكوبَ بالماء!! حين تعمدُ لزرعِ الفتنِ وسط المجتمعِ مِن أجلِ مصالِحِكَ الشخصيةِ فأنت تملأُ الكوبَ بالماءٍ!! حين تسفكُ دماءَ الأبرياءِ بغيرِ حقٍّ فأنت تملأُ الكوبَ بالماءِ!!
أيُّها الشبابُ: عليكُم بإتقانِ العبادةِ والعملِ؛ لأنَّ أعمالَكُم تعرضُ على اللهِ ورسولهِ والمؤمنين، فحريٌّ بكم أنْ يكونَ المعروضُ مُتْقَنًا، قال تعالى: { وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}. (التوبة: 105).
فإتقانُ الصلاةِ مثلًا يبدأُ بإتقانِ الطهارةِ والوضوءِ، ولا سيّمَا مع شدةِ البردِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللهُ بِهِ الْخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟» قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: «إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ». (مسلم). يقول الإمام النووي: ” وَإِسْبَاغُ الْوُضُوءِ: تَمَامُهُ. وَالْمَكَارِهُ تَكُونُ بِشِدَّةِ الْبَرْدِ وَأَلَمِ الْجِسْمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ”.
كما تتمثلُ عمليةُ الإتقانِ في تعلُّمِ المسلمِ للصلاةٍ وأدائِهَا بأركانِهَا وشروطِهَا التي تدرّبُ المسلمَ على الإتقانِ المادِّي الظاهرِي، بل على الإتقانِ الداخلِي النفسِي المتمثل في مراقبةِ اللهِ عزّ وجلّ والخوفِ منه.
فهذا حاتمٌ الأصم سُئِلَ عن إتقانهِ للصلاةِ؟ فقال: إذا حانَ وقتُ الصلاةِ أتوضأُ وأدخلُ المسجدَ، وأقومُ فأرَى الخالقَ عزّ وجلّ فوقِي، والصّراطَ تحتَ قدمِي، والجنةَ عن يمينِي، والنارَ عن يسارِي، وملكَ الموتِ وراءَ ظهرِي، والكعبةَ قبلتِي، ومقامَ إبراهيمَ في قلبي، ثُمّ أكبّرُ تكبيرًا بالخوفِ، وأقرأُ قراءةً بالترتيلِ، وأركعُ ركوعًا بالتّمامِ، وأسجدُ سجودًا بالتّواضعِ، وأتشهّدُ تشهّدًا بالرّجاءِ، وأسلّمُ بالرحمةِ، ولا أدرِي أقُبلتْ صلاتِي أمْ لا ؟!!
قارنْ بينَ هذا وبينَ مَن ينقرُ صلاتَهُ نقرَ الغرابِ، فقد سمّاهُ الرسولُ ﷺ سارقًا: حيثُ قالَ:” أَسْوَأُ النَّاسِ سَرِقَةً الَّذِي يَسْرِقُ مِنْ صَلاَتِهِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَكَيْفَ يَسْرِقُ مِنْ صَلاَتِهِ؟ قَالَ: لاَ يُتِمُّ رُكُوعَهَا وَلاَ سُجُودَهَا، أَوْ قَالَ: لاَ يُقِيمُ صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ”.(أحمد وابن حبان بسند حسن). وهكذا يجبُ الإتقانُ في بقيةِ العباداتِ كلِّهَا.
إنَّ الإتقانَ والحثَّ عليهِ ليس مقتصرًا على أمورِ العبادةِ فحسب، بل يمتدُّ حتى يصلَ للأمورِ الدنيويةِ، ومِن هنا نعلمُ أنَّ سببَ تأخرِ المجتمعاتِ المسلمةِ في أهمِّ مجالاتِ الحياةِ إنّما هو بسببِ فقدانِ الإتقانِ وضحالةِ المهارةِ.
إنَّنا في حاجةٍ ماسةٍ إلي إتقانِ العملِ، وخاصةً في عصرٍ ضاعتْ فيهِ القيمُ واختلطَ الحابلُ بالنابلِ، وضاعتْ الثقةُ بينَ الناسِ، والعاملُ لا يهمُّهُ إلّا جمعَ المادةِ وتعدادَ ساعاتِ العملِ، دونَ النظرِ إلى جودةٍ أو إتقانٍ
فعلينَا أنْ نغرسَ في نفوسِ شبابِنَا خلقَ الإتقانِ ومراقبة اللهِ في جميعِ أحوالِنَا وأعمالِنَا وحركتِنَا وسكونِنَا؛ قال سهلُ بنُ عبدِ اللهٍ التسترِي: كنتُ وأنا ابنُ ثلاث سنين أقومُ بالليلِ فأنظر إلى صلاةٍ خالي مُحمدِ بنِ سواء فقال لي يومًا: ألا تذكر اللهَ الذي خلقَكَ فقلتُ: كيف أذكرُه؟ قال: قل بقلبِكَ عند تقلبِكَ في ثيابِكَ ثلاثَ مراتٍ مِن غيرِ أنْ تحركَ بهِ لسانَكَ، اللهُ معي اللهُ ناظرٌ إليَّ اللهُ شاهدِي، فقلتُ ذلك ليالِي ثم أعلمتهُ فقال: قُلْ في كلِّ ليلةٍ سبعَ مراتٍ، فقلتُ ذلك ثم أعلمتُهُ فقال: قُلْ ذلك كلَّ ليلةٍ إحدى عشرَ مرة، فقلتُهُ فوقعَ في قلبِي حلاوتُه، فلّمَا كان بعدَ سنةٍ قال لي خالي: احفظْ ما علمتُكَ ودُمْ عليه إلى أنْ تدخلَ القبرَ فإنَّه ينفعُكَ في الدنيا والآخرةِ، فلم أزلْ على ذلك سنين فوجدتُ لذلك حلاوةً في سرّي، ثم قال لي خالي يومًا: يا سهلُ مَن كان اللهُ معه وناظرًا إليه وشاهدَهُ أيعصيه؟! “( إحياء علوم الدين)، أقول: أبدًا لا يعصه ولا يقصرُ في عملهِ، بل يحسنُهُ ويُجَوِّدُهُ ويتقنُهُ.
وقد ضربَ لنَا المربّى العظيمُ ﷺ مثلًا عمليًّا في التدريبِ العملِي للشبابِ والغلمانِ على إتقانِ العملِ، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِغُلَامٍ يَسْلُخُ شَاةً، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَنَحَّ، حَتَّى أُرِيَكَ» فَأَدْخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ بَيْنَ الْجِلْدِ وَاللَّحْمِ، فَدَحَسَ بِهَا، حَتَّى تَوَارَتْ إِلَى الْإِبِطِ وَقَالَ: «يَا غُلَامُ هَكَذَا فَاسْلُخْ». ( ابن ماجة بسند صحيح).
فلم يستنكفْ ولم يستكبرْ رسولُ اللهِ ﷺ أنْ يقفَ مع الغلامِ ويساعدَهُ في عملهِ ويسهّلَ له ما شقَّ عليه، ويعلمَهُ ما خفيَ عليهِ مِن إتقانِ السلخِ!! إنَّها يقظةُ المعلمِ وإحساسُ المربّى بمسئوليةِ الإرشادِ والتقويمِ الدائمِ المباشرِ، في كلِّ وقتٍ وعملٍ.
فما أجملَ أنْ يتخلقَ المجتمعُ شبابًا ورجالًا بهذا الخلقِ القويمِ النبيلِ خلقِ إتقانِ العملِ وجودتهِ، حتى يتحققَ الأمنُ والرخاءُ والمودةُ ، وننهضَ بمجتمعِنَا، ونسعدَ دُنيا وأُخرى، وتزدادَ الثقةُ والروابطُ الاجتماعيةُ بينَ أفرادِ المجتمعِ.
[cov2019]