رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن التصرف السلبي ضد العلماء
بقلم \ المفكر العربي الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
مما لاشك فيه أن البشرية عرفت على مر عصورها تصرفا سلبيا وهو [ذبح العلماء]، ولم تختص أمة بذلك، بل كانت سمة جعلت الناس ينشئون الأمثال السارية كنوع من أنواع التعبير عن الحكمة التي تتصل بالحياة، وقبل ذلك قتلوا النبيين، والمرسلين، ولكن الله سبحانه وتعالى نصرهم، وأيد هؤلاء العلماء، ونفع بهم البشرية عبر العصور.
قال تعالى : ﴿أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ﴾، وعن ابن عباس قال : «ذكر خالد بن سنان للنبي ﷺ ، فقال : ذاك نبي ضيعه قومه» [رواه الطبراني في الكبير].
ونتذكر جميعا ما حدث لجالليو؛ حيث أثبت ثبات الشمس، ودوران الأرض، فاعترض عليه، ولم يحسن حينئذ بيان برهانه التام، حتى إنه وافق على حرق كتبه.
ولدينا في التاريخ الإسلامي نماذج كثيرة في هذا المعنى، فقد ورد أن الإمام البخاري صاحب الصحيح الذي وصف بأنه أصح كتاب بعد كتاب الله من حيث الضبط والنقل والتوثيق، قد دعا على نفسه قبل أن يموت بأيام، وضاقت عليه الأرض بما رحبت، في نزاع بينه وبين محمد بن يحيى الذهلي ؛ حيث كانت قد اشتدت الخصومة بينهما، مما سبب له ترك المدينة، ولم يكن البخاري رحمه الله تعالى معتادا على ذلك، فلم يتحمل لشفافيته ورقة قلبه هذا النوع من الصدام، وانسحب تاركا وراءه جهده الرصين الجبار الذي استمر هذه السنين الطوال مرجعا للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، ومثالا لتطبيق المنهج العلمي، وللنية الخالصة، وللهمة العالية، وأثر ذلك في بقاء الأعمال، ونفعها لأفراد الناس وجماعاتهم، ومجتمعاتهم.
وفي القرن السادس الهجري كان الشيخ عبد القادر الجيلاني تنسب إليه بعض القصص الجديرة بالاعتبار –وإن كنا لم نحقق توثيقها له في ذاتها- منها أنه كان يحضر له نحو أربعين ألفا لسماع موعظته الحسنة التي خالطت القلوب، ورفع بعض الواشين أمره إلى الحاكم بأن عبد القادر أصبح خطرا على الناس، فإنه يأتمر بأمره أربعون ألفا، ولما استدعاه الخليفة في بغداد، وكلمه في ذلك ضحك الشيخ، وقال : أنا أظن أن معي واحدا ونصفا، ولنختبر ذلك مولاي فارسل غدا الشرطة أثناء الدرس بعد العصر تطلبني أمام الناس.
فأرسل الخليفة رجال شرطته، وطلبوا الشيخ بطريقة عنيفة، فر معها أكثر الحاضرين، وأصر اثنان على أن يصحبا الشيخ، حتى إذا ما جاءوا إلى قصر الخليفة تخلف أحدهم ينتظر الشيخ عند الباب، ودخل آخر، فقال له الخليفة : ماذا حدث ؟ قال : لم يبق معي إلا كما قلت لك واحد ونصف، هذا واحد معي، والآخر خاف من الدخول فانتظر عند الباب.
وذهب الواشون وذهب عصرهم لا نعرف أسماءهم وبقي الشيخ عبد القادر عبر القرون قد أذن الله أن يجعل كلماته نبراسا يستضاء به، وهداية في الطريق إلى الله. بقي عبد القادر وفنى خصومه.
وفي القرن الثالث عشر الهجري وجدنا الشيخ خالد النقشبندي وهو يربي الناس بالشريعة والحقيقة والطريقة في السليمانية بأرض العراق بعد أن بلغ الغاية في علم الشريعة، وفي تربية الناس، وجدنا الحاسدين والحاقدين يلومونه، ويتهمونه بأنه ساحر من أجل الشعبية الجارفة التي حققها، ومن أجل معقولية كلامه ومنطقه مما اضطره لأن يغادر بلاده ووطنه ويذهب إلى الشام، ويعيش بها فيربي أجيالا حتى يتوفى بدمشق، ومازال قبره ظاهرا يزار إلى الآن.
لا نعرف من هؤلاء الذين عادوا الشيخ خالد ذي الجناحين، جناح الشريعة، وجناح التربية، وكأنه سمي بذلك لأنه قد حلق بهما كالطير في سماء التقوى، وفي سماء الصفاء والنقاء، لقد ذهب ذلك العصر، وبقي الشيخ خالد النقشبندي بعلمه، وفضله، وتأثيره، وبإخلاصه، وعلو همته، وتقواه في الناس، فله كتاب في العقائد، وله رسائل جمعت في كتاب سمي [بغية الواجب في مكتوبات سيدي خالد] ولقد دافع عنه فقيه الحنفية، وعمدة المتأخرين ابن عابدين في رسالة أسماها [سل الحسام الهندي في نصرة سيدي خالد النقشبندي] رد فيه على معارضيه، وفند أقاويلهم الباطلة، لكن القضية تتمثل في أن ذكره قد بقي، وأن مخالفه قد فني.
[cov2019]