رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن القدوة الصالحة

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن القدوة الصالحة

بقلم \ المفكر العربي الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
 
مما لاشك فيه أن القدوة الصَّالحة من أَعظم المعينات على بِناء العادات الحسَنة والسلوكيَّات الطيِّبة حتى تتحوَّل إلى عمَل مَلموس في واقع الحياة.
ولقد كان صلَّى الله عليه وسلم قدوةً للناس في واقع الأرض، وقائدًا للبشر في واقع الأمر، تَجمَّعت فيه كلُّ الصِّفات الحسَنَة والأخلاق الطيِّبة التي تفرَّقَت في البشر، يرَونه – وهو بشَرٌ منهم – تتمثَّل فيه هذه الصِّفات والطَّاقات كلها، فيصدِّقون هذه المبادئ الحيَّة؛ لأنَّهم يَرونَها رأي العين ولا يَقرؤونها في كتابٍ، يرَونها في بشَرٍ فتتحرَّك لها نفوسهم وتَهفو لها مشاعرُهم وتَنجذب لها عقولهم، وتَرتاح لها ضمائرهم، وتطمئن لها قلوبهم! ويحاولون أن يَنهلوا منها، كلٌّ بقَدر ما يُطيق أن يَنهل وكلٌّ بقَدر ما يحتمل كيانه الصعود، لا ييئسون ولا يَنصرفون ولا يدعونه حلمًا مترفًا لذيذًا يطوف بالأفهام؛ لأنَّهم يرَونه واقعًا يتحرَّك في واقع الأرض، سُئلَت السيدة عائشة رضي الله عنها عن خُلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالَت: “كان خُلُقه القرآن”، وفي روايةٍ: “كان قرآنًا يَمشي على الأرض”، ومن هنا كان صلَّى الله عليه وسلم قائدًا ربَّانيًّا يُؤتمَن على الودائع ويَضع الحَجَر ويحقن الدِّماء!

 

 

 

 

 

لقد كان صلى الله عليه وسلم أفضلَ قائدٍ للبشريَّة في تاريخها الطويل، وكان مربِّيًا وهاديًا بسلوكه الشَّخصي قبل أن يكون بكلامه النَّفعي؛ فعن طريقه صلى الله عليه وسلم أنشَأ اللهُ هذه الأمَّة التي يقول فيها سبحانه: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ [آل عمران: 110].
لقد بعثَه الله قائدًا وقدوة للعالمين، وهو أَعلم حيث يَجعل رسالتَه، وأعلم بمَن خلَق وهو اللَّطيف الخبير، وقد جعله الله القدوة الرَّائدة للبشريَّة؛ يتربَّون على هَديه ويرَون في شخصه الكريم الترجمةَ الحيَّة للقرآن، فيُؤمنون بهذا الدِّين على واقعٍ تراه أبصارهم محققًا في واقع الحياة.

 

 

 

 

 

لكن هناك شخصيَّات مرِيضة منافِقة تقول ما لا تَفعل، وتفعل ما لا تقول؛ لذلك لا تؤثِّر مواعظها في القلوب، كما قال مالك بن دينار رحمه الله: “إنَّ العالم إذا لم يَعمل بعلمه زلَّت موعظتُه عن القلوب كما تزلُّ القطرةُ عن الصَّفا”.
وفي المقابل عن عبدالله بن المبارك قال: قيل لحمدون بن أحمد: “ما بال كلام السَّلَف أَنفع من كلامنا؟ قال: لأنَّهم تكلَّموا لعزِّ الإسلام ونجاة النُّفوس ورضا الرحمن، ونحن نتكلَّم لعزِّ النُّفوس وطلَب الدنيا ورضا الخلق”.
ودعوة الإسلام لم تَعرف في تاريخها المشرِق وظيفةَ العالم أو المفكِّر الذي لا يُخالِط الناسَ ولا يَصبر على آذاهم، لا علاقة له بمتاعِب العمل والبذلِ والعطاء، فالذي يحرِّك الأمَّةَ في الحقيقة هم الدُّعاة والمربُّون الذين يَعتقدون ما يؤمنون، ويَفعلون ما يُؤمرون، وينفِّذون ما يقولون!

 

 

 

 

 

كان صلى الله عليه وسلم مع ربِّه العبدَ الطائع، وكان مع النَّاس الفقير الجائع، وكان مع زوجاته المحبَّ الودود، وكان مع جيرانه الكريم الجواد، وهذه إنَّما تتوفَّر في القائد القدوة.
لقد كان الصَّالحون إذا ذُكر اسمُ نبيِّنا محمد صلى الله عليه وسلم يَبكون شوقًا وإجلالًا ومحبة لَهُ، وكيف لا يَبكون، وقد بكى جذعُ النَّخلة شوقًا وحنينًا لمَّا تحوَّل النبيُّ صلى الله عليه وسلم عنه إلى المنبر؟! وكان الحسَنُ إذا ذَكَرَ حديثَ حَنين الجذع وبكائه، يقول: “يا مَعشر المسلمين، الخشبة تحنُّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شوقًا إلى لقائه؛ فأنتم أحق أن تَشتاقوا إليه”؛ سير أعلام النبلاء.

 

 

 

 

 

 

إنَّ رحمة الله نالَت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم:
كان قدوةً لصحابته قبل أن يَكون قدوةً لأمَّته؛ فقد كان رحيمًا بهم، ليِّنًا معهم، متواضعًا لهم؛ ﴿ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الحجر: 88]، ولو كان فظًّا غليظَ القلبِ ما تألَّفَت حولَه القلوبُ، ولا تجمَّعَت حولَه المشاعرُ، ولا هفَت حوله القلوب، ولا انساقَت له الأنفس؛ فالنَّاس في حاجة إلى كنفٍ رحيم، وإلى رعاية فائقة، وإلى بشاشة سَمحة، وإلى ودٍّ يَسعهم، وحلمٍ لا يضيق بجَهلهم وضعفِهم ونَقصهم؛ ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾ [آل عمران: 159].

 

 

 

 

كان قدوةً في الدِّين؛ فقد كان رجلَ دينٍ يتنزَّل الوحيُ عليه من الله عزَّ وجلَّ ليربط الأرضَ بالسماء بأعظم رِباطٍ وأوثق صِلَة.
وفي الدَّعوة كان رجلَ دعوة؛ جمع الناسَ من شتاتٍ، وأحياهم من موات، وهداهم من ضلالةٍ، وعلَّمَهم من جهالة، في فترة لا تُساوي في عمر الزَّمن شيئًا، فإذا هي أمَّة قويَّة البنيان، عظيمة الأركان، لا تُطاوَل.
وكان صاحبَ رسالةٍ؛ يَقوم على أفضل رسالة عرفَتها الأرضُ وأنجبَتها السماء، وعاشها الخلق؛ مؤمنهم وكافرهم، كبيرهم وصغيرهم، أبيضهم وأسودهم، قويُّهم وضعيفُهم، غنيُّهم وفقيرهم، عَبر كلِّ زمانٍ وفي كل مكان.
وفي السياسة؛ كان رجلَ سياسة من طرازٍ رفيع؛ يضع الخططَ ويقود الجيوش، ويخوض المعاركَ، كأنَّه مقاتِلٌ من طراز فريد، إذا احمرَّت الحدق، ولمعَت السيوف، وتخضَّبَت الرقابُ وبلغَت القلوب الحناجرَ، كان أقربَ المؤمنين إلى العَدوِّ يصيح في الميدان: ((أنا النبيُّ لا كَذِب، أنا ابنُ عبد المطلب))؛ متفق عليه.
كان أبًّا وربَّ أسرةٍ يقوم على شؤونها، لا الماديَّة فقط، وإنَّما النفسيَّة والاجتماعيَّة، والأخلاقيَّة والسلوكيَّة؛ ((خيرُكم خيركم لأهلِه، وأنا خيركم لأهلي))؛ صحيح.

 

 

 

 

 

وفي العبادة؛ كان رجلًا عابدًا لله عزَّ وجلَّ، وكأنَّه ما خُلِق إلَّا للعبادة وحدها؛ فيقوم الليلَ حتى تتورَّم قدماه، فيُسأل في ذلك فيقول: ((أفلا أكون عبدًا شكورًا؟!)).
ومن هنا يَجب أن يكون هو القدوة، قال تعالى لِمن أراد أن يَقتدي ويقود، لِمن أراد أن يَهتدي ويسود، لمن أراد أن يَصلُح ويُصلِح، لمن أراد أن يَعلُو ويفلح، هذا هو الرَّسول القدوة والنبي القائد الذي جاء بأوامر السماء لإحياء الأرض من جديد: ﴿ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا ﴾ [الأنعام: 122]، فكان معصومًا بتبليغه للنَّاس؛ ﴿ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ… ﴾ [المائدة: 67].

 

 

 

 

 

القدوةُ الحسنة هي من أَفضل الوسائل وأقربِها للنَّجاح، وأكثرها فاعليَّة في حياة المربِّين، وتظلُّ كلمات المربِّين مجرَّد كلماتٍ، ويظلُّ المنهج مجرد حبر على ورَق، ويظلَّ معلقًا في الفضاء ما لَم يتحوَّل إلى حقيقة واقِعة تتحرَّك في واقع الأرض، وما لم يُترجم إلى تصرُّفات وسلوكٍ ومعايير ثابتة، عندئذٍ يتحوَّل هذا المنهج إلى حقيقةٍ واقعة، وتتحوَّل هذه الكلمات إلى سلوكٍ وأخلاق، عندئذ فقط تؤتي الكلماتُ ثمارَها في حياة العالَمين، والقدوة الحسنَة والأسوة الطيِّبة على مدار القرون وعبر الأجيال وفي كلِّ الأحوال وضَّحها القرآن الكريم؛ فقال تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21]، إنَّ القدوة الصَّالحة عنصرٌ رئيس ذو أهميَّة بالغة في البناء والتربية.
[cov2019]