رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن الدروس المستفادة من تحويل القبلة
بقلم \ المفكر العربى الدكتورخالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربى الدولى ورئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
مما لاشك فيه أن من أهم الدروس المستفادة من تحويل القبلة؛ درس تحويل القلوب من الحقد والحسد والشحناء والبغضاء؛ إلى الطهارة والصفاء والنقاء .
إنّ حادث تحويل القبلة حدث جلل عظيم؛ يبعث على تحويل القلوب من أحوالها السيئة الأسيفة؛ إلى أحوال أخرى صالحة سليمة، تقود نحو الخير والحق والرشاد، وتحقق الأمان النفسي والمادي في الحياة ؛ حتى نحظى بمغفرة الله تعالى.
فعَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ قَالَ :” إِنَّ اللَّهَ لَيَطَّلِعُ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ, فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ , إِلاَّ لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ. “.[ ابن حبان وابن ماجة بسند صحيح ].
لذلك أخبرنا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أحاديث كثيرة أن الشحناء والبغضاء والخصام سبب لمنع المغفرة والرحمات والبركات ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:” تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا” (مسلم).
وأخبر سبحانه أنه لا نجاةَ يوم القيامة إلا لمن سلِم قلبه، وسلامةُ القلب تقتضي طهارتُه من الغلِّ والشحناء والبغضاء، يقول جل من قائل: {يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ إِلاَّ مَنْ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88، 89].
كما أنه سبحانه أتمَّ النعمة على أهل الجنة بأن نزعَ ما في قلوبهم من الغلّ وجعلهم إخوانًا، ذلك أن الغلَّ يُشقي صاحبه ويتعذَّب به، يقول سبحانه عن أهل الجنة: {وَنَزَعْنَا مَا فِى صُدُورِهِم مّنْ غِلّ إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَـٰبِلِينَ} [الحجر:47].
إنَّ سنةَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عامرةٌ بالنصوص المؤكِّدة على أهمية طهارةِ القلوب وسلامتها من الغلِّ والشحناء والبغضاء، يُسأل عليه الصلاة والسلام: أيُّ الناس أفضل؟ فيقول: “كلّ مخموم القلب صدوق اللسان”، فيقال له: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ فيقول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “هو التّقي النقي، لا إثم ولا بغي ولا غلَّ ولا حسد” .(ابن ماجه بإسناد صحيح).
ويقول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تقاطعوا، وكونوا عبادَ الله إخوانًا” (متفق عليه).
وبين صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن الشحناء والبغضاء تحلق الحسنات؛ بل الدين كله فقال:” دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ، هِيَ الْحَالِقَةُ لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا أَفَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِمَا يُثَبِّتُ ذَالكُمْ لَكُمْ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ “[ أحمد والترمذي بسند حسن ].
ويقول عليه الصلاة والسلام: “ألا أخبركم بأفضلَ من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟” قالوا: بلى، قال: “إصلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة، لا أقول: تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين” ( أبو داود بإسناد صحيح).
فبادر أنت بالخير إذا أعرض عنك أخوك وكن أنت الأخير ، فعَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:” لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا؛ وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ”.(متفق عليه).
ونحن جميعا نعلم قصة الرجل الذي طلع على الرسول وصحابته الكرام ثلاث مرات؛ وأخبر أنه من أهل الجنة؛ لطهارة قلبه من الشحناء والبغضاء .
فهيا إلى تحويل القلوب من كل سيء خبيث؛ إلى كل حسن طيب .
تحويل القلوب من اليأس إلى الأمل، ومن التشاؤم إلى التفاؤل.
تحويل القلوب من الفرقة والتنازع إلى الوحدة والاعتصام.
تحويل القلوب من الكسل والخمول إلى العمل والإنتاج.
تحويل القلوب من اللاإنسانية والاحتكار والجشع والطمع في البيع والشراء والتجارة ؛ إلى الإنسانية والأخلاق والرفق والرحمة في جميع المعاملات المالية بيعا وشراءً .
تحويل القلوب من الحقد والغل والحسد والبغصاء لبعضنا البعض، إلى الحب والنقاء والإيثار والإخاء والتراحم فيما بيننا، ولا سيما ونحن مقبلون على شهر كريم؛ وقد سئل ابن مسعود : كيف كنتم تستقبلون رمضان ؟ قال : ما كان أحدنا يجرؤ على استقبال الهلال وفي قلبه ذرة حقد على أخيه المسلم”.
فهيا إلى تنقية قلوبنا من الشحناء والبغضاء والحقد والحسد، وليحل مكانها التراحم والتواصل والحب، ولنفتح صفحة جديدة بيضاء نقية مع المتخاصمين والمتشاحنين؛ حتى تُرفع الأعمال إلى الله؛ وتتنزل الرحمات؛ ولا تحجب بسبب الخصام والشحناء؛ ويعاهد كل واحد منكم نفسه أن يبدأ هو بالمصالحة والعفو والصفح؛ ليكون أفضل الناس وأخيرهم عند الله تعالى!!
[cov2019]