ظروف عربية تزداد تعقيدا وصراع التأسيس
ظروف عربية تزداد تعقيدا وصراع التأسيس
دائرة الموت مستمرة عربيا والبحث عن مشروع سياسي جديد للإقليم مستمر بنفس الوتيرة.
معضلات التأسيس واعادة التأسيس العربي ستطرح كل القضايا ستفتح الباب على كل الاحتمالات.
ما بدأ منذ عشر سنوات مع الربيع العربي سيبقى في إطار المخاض نفسه إننا في زمن البحث عن بدائل و خيارات النظام العربي الراهن.
أصبح العالم العربي مركزا للحكم الديكتاتوري غير المساءل وعنف رسمي يشمل التوسع بالسجون والتعذيب وانتهاك حقوق الإنسان.
يعيش عالمنا العربي استقطابا بين قوى أربع مؤثرة: تركيا وإيران بالإضافة لروسيا ودولة الإحتلال الإسرائيلي والولايات المتحدة.
تتبلور صراعات بين إسرائيل وحلفائها الجدد بمواجهة تركيا وروسيا وإيران الذين يزدادون اقترابا من بعضهم رغم اختلاف مواقفهم وتراجع الدور الأميركي إقليميا.
* * *
الكاتب الصحفى أشرف السعدنى
لم يكن أحد من أبناء جيلي ممن نشأ في زمن الناصرية وزمن العروبة وفتح عينيه على هزيمة 1967 يتوقع أن العام 2021 سيطل علينا وأزمات العالم العربي تكتسب قوة تدميرية وعبثية لا مثيل لها.
لقد أصبح العالم العربي مركزا لانكسار الدول من سوريا للعراق ومن لبنان لليمن لليبيا، وأصبح بنفس الوقت مركزا طاردا بكثافة للكفاءات والطبقات الوسطى ومركزا لتدفق اللاجئين منه للدول المحيطة.
لكنه بنفس الوقت أصبح عالمنا العربي مركزا للحكم الديكتاتوري غير المساءل والعنف الرسمي الذي يشمل التوسع بالسجون، والتعذيب، وانتهاك حقوق الإنسان.
بنفس الوقت يعيش عالمنا العربي استقطابا بين قوى أربع مؤثرة:
تركيا وإيران بالإضافة لروسيا ودولة الإحتلال الإسرائيلي والولايات المتحدة.
لهذا تتبلور صراعات المحاور بين إسرائيل وحلفائها الجدد من جهة في مواجهة مع تركيا وروسيا وإيران الذين يزدادون، مع اختلاف مواقفهم، اقترابا من بعضهم البعض وذلك مقابل تراجع دور الولايات المتحدة الإقليمي.
كما أن قوى مسلحة انتشرت في خارطة عدة دول عربية كما هو حال اليمن والعراق وسوريا ولبنان وغزة، وهذه قوى مسلحة بإمكانها التأثير على مستقبل أنظمة وبناء تشكيلات جديد وتغير قواعد اللعبة أمنيا وعسكريا وسياسيا.
وما نشاهده على السطح ليس كل القصة، فقد سقط التعليم، وتأخرت المدارس في مناطق ودول عديدة بسبب العنف والحالة الأمنية، كما تأثرت الصحة بالحالة الأمنية السائدة.
بل يكاد قطاع كبير من العرب لا يشعر بالفارق بين الموت والحياة، وبين إنهاء الحياة من خلال عنف ما وبين بناء الحياة والتفاؤل بالمستقبل.
هذه الحالة العربية فتحت الباب لفراغات كبرى.
سنكتشف بأن اقتصاد الحرب تحول لوسيلة في الحياة في مناطق عربية كثيرة، سنرى أن المجتمعات تفرز المقاتلين كما تنبت الأشجار وتفرز الحركات السياسية على اختلاف ابعادها و إختلالاتها.
هذه اوضاع رغم عنفها ومصاعبها الا أنها تحمل في طياتها حالة بحث عن واقع مختلف لكنه غير مرئي. لهذا بالتحديد الأوضاع في سوريا والعراق واليمن وليبيا كما ولبنان وفلسطين ومناطق عربية أخرى ستبقى محملة بالقضايا والأسئلة.
ووسط هذه المصاعب والفراغات هناك قطاع من الشباب العربي ممن يشعرون أنهم مسؤولون عن حل الأزمات العربية وذلك من خلال طرح رؤى، واستيعاب طبيعة التحديات ثم العمل على التعامل معها. لن تغلق المساحات والأزمات بلا بدائل أساسها بناء الأوطان، وبناء رؤية عربية واضحة المعالم.
الملفت للنظر أن الكثير من الأماكن العربية مستعدة لأنماط من العمل السياسي، وأن بعض المناطق أكثر ميلا للعمل المسلح، وأن الدائرة العربية ستمر بمراحل قبل ان تبلور تصوراتها.
فصنعاء كما دمشق وشمال سوريا كما أجزاء من العراق وليبيا كما مناطق لبنان تعيش التساؤلات المتدفقة.
هذا يعني أن دائرة الموت مستمرة عربيا والبحث عن مشروع سياسي جديد للإقليم مستمر بنفس الوتيرة، وما بدأ منذ سنوات عشر ونيف مع الربيع العربي سيبقى في السنوات العشر القادمة في إطار المخاض نفسه. إننا في زمن البحث عن بدائل و خيارات للنظام العربي الراهن بشكله الراهن.
لكن الخيارات لن تتضمن التعاون مع الصهيونية، او القبول بنمط التطبيع الراهن، أو حتى القبول بالتبعية للولايات المتحدة، فهذا خيار بعض الدول وهو خيار رسمي لا يحمل أي صفة شعبية.
إن مرحلة ترامب وطبيعة سياساته الهجومية جرحت العرب ودفعت نحو نمو الروح الاستقلالية.
لقد اكتشف العرب بالممارسة بأن غياب الاستقلالية يفتح الباب للصهيونية، والاستعمار، واستنزاف الموارد المالية، ويسهم بالضعف والتفكك والسقوط الحضاري.
وسيكتشف العالم العربي بأن التقوقع الطائفي الحاصل في أكثر من مكان والذي خلق مشكلات جمة بين السنة والشيعة سيؤدي لمزيد من غرق العرب.
سنكتشف بأن الدولة المساءلة ضرورة لبناء الدول، كما أن الدولة التي تحترم مواطنيها وترفض تهميشهم مدخل أساسي لاعادة بناء الدول.
كما أن المقدرة على بناء فيدراليات وكونفيدراليات بين دول عربية لديها الاستقلالية وحس التضامن ستكون قيمة أساسية لبناء واقع عربي مختلف عن الواقع الراهن.
نحن مقبلون على لحظات تأسيس على يد جيل جديد، ستطرح كل الأسئلة بما فيها تلك التي ترتبط بجغرافيا الاقليم الذي رسمته خرائط سايكس بيكو التي قسمت الإقليم العربي قبل أكثر من 100 عام. فحتى في الدول العربية الأكثر تجانسا كمصر اصبحت السلطات شديدة المركزية، والبرلمان مهمش، والمساءلة معدومة، والحكم للجيش اولا واخيرا.
هناك أجيال تبحث عن بناء دولة مساءلة وحالة دستورية في ظل حكم مدني. تلك أجيال ستطرح بطبيعة الحال الأسئلة عن طبيعة العلاقة بين سلطة الرئيس وشعبه، وطبيعة علاقة البرلمان بالمساءلة والمجتمع بالحريات.
لكن بنفس الوقت هناك مدارس تؤمن بالكفاح المسلح بعد انتشار نماذج كحزب الله والحوثيين وأطراف عدة في المعارضة السورية، وكتائب عز الدين القسام في غزة.
إن معضلات التأسيس واعادة التأسيس العربي ستطرح كل القضايا، ستفتح الباب على كل الاحتمالات.
* د. شفيق ناظم الغبرا أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت