ليبيا: على الضمير الوطني أن يسود في جلسة سرت
*********
الكاتب الصحفي اشرف السعدنى
عراقيل أمام تمرير الحكومة بمجلس النواب من صراعات سياسية واستقطابات مناطقية وتضارب مصالح!
معالجة العراقيل مرحلياً وعبر نهج الخطوة التي تمهد لخطوة تالية هو الأنجع، إن لم يكن الوحيد المتوفر أصلاً.
استعادة الحدود الدنيا من سلم وطني حاجة ماسة عاجلة ينتظرها المواطن الذي طحنته الحرب ويظل ضحيتها الأولى والكبرى.
عدم منح الثقة يذكر بمصير حكومة نجمت عن اتفاق الصخيرات أواخر 2015 ولم تنل ثقة البرلمان وعادت عقارب الساعة للوراء بشأن حل شامل للنزاع الأهلي.
* * *
توافد أمس إلى مدينة سرت الليبية عدد من أعضاء مجلس النواب ممن سبق أن أدوا اليمين الدستورية للمشاركة في جلسة خاصة تنعقد على مدى يومين وتهدف إلى منح الثقة إلى حكومة الدبيبة، المشكلة تنفيذاً لمخرجات ملتقى الحوار الوطني الذي انعقد مطلع شباط/ فبراير الماضي.
والذي أسفر عن انتخاب سلطة مؤقتة من رئيس للمجلس الرئاسي ونائبين له وعبد الحميد الدبيبة في رئاسة الحكومة، تتولى إدارة مرحلة انتقالية تمهد للانتخابات العامة في 24 كانون الأول/ ديسمبر 2021.
اكتمال النصاب القانوني الكافي لعقد الجلسة كان العقبة الأولى قبيل حصول الحكومة الجديدة على ثقة 86 عضواً، وقد تم تجاوز هذه العقبة حيث حضر132 من نواب البرلمان الـ188.
أما في حال جنح النواب إلى حجب الثقة فإن مصير الدبيبة ووزرائه سوف يُحال إلى ملتقى الحوار السياسي، طبقاً لمخرجات المرحلة التمهيدية كما نصت عليها اجتماعات جنيف.
غير أن الفشل في الحصول على الثقة يعيد التذكير بمصير حكومة مماثلة نجمت عن اتفاق الصخيرات أواخر العام 2015 ولم تنل ثقة البرلمان، وبالتالي جمدت عقارب الساعة أو أعادتها إلى الوراء بصدد الاتفاق على حل شامل للنزاع الأهلي في ليبيا.
وقد أعلن عبد الحميد الدبيبة سلسلة نوايا طيبة تخص تشكيل الحكومة، من حيث أنه استند في اختيار الوزراء إلى أسس التنوع والتوزيع الجغرافي والكفاءة ومشاركة المرأة والشباب واعتماد لامركزية وعدالة في توزيع الثروة.
لكن هذه النوايا لا تحول دون بقاء الكثير من العراقيل أمام تمرير الحكومة في مجلس النواب، وعلى رأسها الصراعات السياسية والاستقطابات المناطقية والمصالح المتضاربة.
خاصة وأن المجلس لم ينعقد منذ سنوات طويلة، وليس أدل على إشكاليته من رئيسه عقيلة صالح الذي فشلت لائحته في انتخابات ملتقى الحوار ويعلن سلفاً أنه يعارض الحكومة المطروحة للثقة.
هذا إلى جانب العقبات الأخرى المزمنة التي تفاقمت على مدى سنوات الصراع بين الشرق والغرب، ولم يكن المشير الانقلابي خليفة حفتر هو وحده تجسيدها الظاهري بل دارت كذلك حول سبل الخلاص من انقسامات الجيش والأجهزة الأمنية، والعمل على توحيد مؤسسات الدولة وإداراتها المختلفة.
وخاصة في قطاع النفط وتقاسم المواقع السيادية، بالإضافة إلى العائق المستعصي المتمثل في كيفية إخراج الميليشيات المحلية والمرتزقة الأجانب ليس من ساحة التصارع فقط بل خارج التراب الليبي نهائياً.
كلّ هذا ليس يسير العلاج بالطبع، بل قد يجوز القول إن معالجته مرحلياً وعبر نهج الخطوة التي تمهد لخطوة تالية هو الأنجع، إن لم يكن الوحيد المتوفر أصلاً.
والنواب الليبيون الذين وافقوا على المشاركة في جلسة سرت يحسنون صنعاً إذا استمعوا إلى صوت العقل السليم والضمير الوطني، وتناسوا صراعاتهم وخلافاتهم وامتيازاتهم أو وضعوها جانباً مرحلياً على الأقل، ومنحوا الثقة لحكومة الدبيبة بما لها وما عليها.
ذلك يستكمل خطوة أولى حاسمة على طريق استعادة الثقة بالمؤسسات، من رئاسة المجلس والسلطة التنفيذية المؤقتة إلى الحكومة والوزراء، وتمكينها من قطع خطوات أخرى ضرورية ولا غنى عنها من أجل استعادة الحدود الدنيا من سلم وطني هو بمثابة حاجة ماسة عاجلة ينتظرها المواطن الليبي، الذي طحنته وتطحنه سنوات الحرب ويظل ضحيتها الأولى والكبرى.