هل ثمّة إعلام بديل في إسرائيل
متابعة / عمرو السعدنى
في إطار اتجاهاتها العامة يمكن اعتبار “هآرتس” أقرب إلى أن تكون بمنزلة إعلام بديل.
لا تكاد تعثر في دولة الاحتلال على مراسلين عسكريين مستقلين بل هم ليسوا أكثر من أبواق للمؤسسة الأمنية وكذلك المحللون الأمنيون.
“وسائل الإعلام أضحت فوهة بندقية تطلق رصاصات سيكولوجية أو وسائل قتالية فللكلمة أو الصورة وقع سيئ بل أسوأ أحيانًا من الإصابة الناجمة عن طلقة معدنية”!
* * *
يمتد النقاش بشأن جولات الانتخابات المتعاقبة في إسرائيل منذ عامين، وبشأن أزمة جائحة كورونا، لينسحب على وسائل الإعلام. وفي غمرة ذلك، يتسع كي يشمل دور الإعلام المستقل، وأكثر فأكثر، دور الإعلام البديل لما هو سائد ومهيمن، ويساهم، إلى حد بعيد، في صوغ الخطاب والموقف على نحو عام.
ولدى متابعة النقاش فيما إذا كان ثمّة إعلام بديل في إسرائيل، يمكن أن نصادف، بادئ ذي بدء، عدة استنتاجات فكريّة، تبدو حادّة للغاية. وبالأساس، حيال أداء الإعلام الأكثر استهلاكًا، بما في ذلك المرئيّ والمسموع والمكتوب، وكذلك إزاء ما يرتبط بما على الإعلام البديل القيام به، كي يستحق هذه الصفة بجدارة.
ولا بُدّ من القول إن هذه الحدّة ليست منفصلةً عن تجربةٍ راكمها هذا الإعلام البديل، وانطلقت منذ أعوام قليلة، حتى وإنْ لا تزال، من ناحية صيرورتها، متواضعةً، مبنًى ومعنًى.
ومنذ ثلاثة أعوام، يعقد موقع إلكتروني إسرائيلي متخصّص في متابعة الإعلام ونقده (العين السابعة) مؤتمرًا سنويًا حول الإعلام المستقل.
ويمكن العثور ضمن حيثياته على هواجس تفسّر مآل التراكم الذي نعنيه، سيما من حيث التطلع إلى أن يكون استقلال كهذا للإعلام غير مرتبط بتمويلٍ مستقل فقط، إنما أيضًا بسياسة متمايزة تؤهله لأن يكون بديلًا للسائد، بكل ما يعنيه ذلك من معنىً في الواقع الإعلامي في إسرائيل.
ولأن تلك الهواجس مبنيةٌ على ما في هذا الواقع من نماذج عينية، فإن أصحابها يشيرون، مثلًا، إلى أنه ضمن خريطة الصحف اليومية الإسرائيلية في الوقت الحالي. وفي إطار اتجاهاتها العامة، يمكن اعتبار “هآرتس” أقرب إلى أن تكون بمنزلة إعلام بديل
غير أنه على صعيد الانتشار انخفضت أعداد قرّائها، خلال عام كورونا، وفقًا لأحدث المعطيات، فهبطت النسبة من 5.1% إلى 3.9%، في حين انخفضت نسبة استهلاك القراء للصحيفتين الأوسع انتشارًا، يسرائيل هيوم ويديعوت أحرونوت من 30.6% إلى 25.1% ومن 27.2% إلى 22.6% على التوالي.
عمومًا، يعتبر بعض الهاجسين بضرورة الإعلام البديل أن الحاجة إلى إعلام كهذا نشأت إلى درجة كبيرة من الميول العامة التي تطغى على وسائل الإعلام الإسرائيلية المركزية، ولا يمكن إسقاط القصدية مسبقة الاختيار عنها.
وتساوقًا مع هذه الميول، كما يكتب أحدهم، لا تكاد تعثر فيها على مراسلين عسكريين مستقلين، بل هؤلاء جميعًا ليسوا أكثر من أبواق للمؤسسة الأمنية، وهو ما ينسحب كذلك على المحللين الأمنيين.
ولدى اجتهاده لتبيان أسباب هذه البوقيّة، أشار صاحب هذا الرأي إلى حقيقة أن قيادة المؤسسة الأمنية تعاقب الصحافيين الذين يوجهون انتقاداتٍ إليها بطرق شتى، فضلًا عن أن الجيش والمؤسسة الأمنية ما زالا بمثابة قدس الأقداس بالنسبة للمجتمع في دولة الاحتلال.
ويعمد الجيش، بين الفينة والأخرى، إلى توجيه أداء الإعلام، حيث ورد، في وثيقة نظرية حول موضوع القتال في نطاق صراع محدود، صادرة عن الجيش منذ فترة طويلة أن “وسائل الإعلام أضحت أشبه بفوهة بندقية تطلق رصاصات سيكولوجية، أو نوعًا من الوسائل القتالية، فللكلمة أو الصورة وقع سيئ، بل وأسوأ أحيانًا من الإصابة الناجمة عن طلقة معدنية”!
تنبغي الإشارة كذلك إلى أن طريقة تغطية وسائل الإعلام الإسرائيلية كل ما يجري في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ 1967، وبالذات على مدار الفترة التي انقضت منذ الانتفاضة الثانية (2000)، تعكس صورةً جزئيةً جدًا للوضع، مغايرة تمامًا للتي تصل إلى أماكن أخرى في العالم.
ويستلزم الكلام عن الإعلام البديل أن تُختتم هذه الوقفة السريعة بالإشارة إلى أن الجدل وإشعال الأسئلة بشأن تجارة الأسلحة والحرب السيبرانية الإسرائيلية تمّ عبر وسائل إعلام بديلة، منذ نحو عقد فقط، في حين أن هذا الموضوع برمته يمكن العثور عليه في وسائل الإعلام الأكثر استهلاكًا ضمن ملاحق الاقتصاد، بهدف التعامل معه موضوعا اقتصاديا صرفا، وصرف النظر عن جانبه الأخلاقي.
* أنطوان شلحث كاتب وباحث في الشأن الإسرائيلي