الاحتمالات المستقبلية لنتائج الحرب الأوكرانية الروسية
تقديم الدكتور مازن النجار
الأرجح أن يحقق بوتين أهدافه المركزية بأوكرانيا لكنه سيتحمل عبئا كبيرا للغاية.
يتوقع تقسيم أوروبا وجعل مناطق من أوكرانيا منطقة عازلة بين روسيا وأوروبا وتكريس امتناع أوكرانيا عن عضوية الناتو.
ستكون السنوات الخمس القادمة هي مرحلة انتقالية تضع الأساس لطبيعة النظام الدولي القائم مع ترجيح بانه سيكون متعدد الأقطاب.
ستتعزز الخلافات داخل المعسكر الغربي مع استمرار التراجع الأمريكي الذي يميل اغلب الأكاديميين الأمريكيين لترجيحه.
تعميق العلاقة الاستراتيجية بين روسيا والصين بكل الميادين وهو توجه تبناه بوتين منذ 2012 وكان أحد نقاط برنامجه الانتخابي الأكثر وضوحا.
تاكيد عدم تدخل الناتو بشكل مباشر في الحرب نظرا للخوف من تصاعد المواجهة مع روسيا التي تمتلك 5977 (خمسة آلاف وتسعمائة وسبع وسبعين) رأسا نوويا.
عودة الاهتمام الأمريكي بالأمن الأوروبي قد يؤثر على الالتزامات الأمريكية تجاه الشرق الآسيوي وهو امر تخشى نتائجه اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان.
احتمال العودة لسباق تسلح دولي وإقليمي وتنامي الدور الالماني في السياسة الاوروبية تحديدا وحرب أوكرانيا قد تسرع الاتفاق النووي الامريكي الايراني.
تكريس فكرة التقليص المستقبلي للاعتماد الاوروبي على روسيا في مجال الطاقة واحتمال تأميم استثمارات غربية في روسيا تقدر بمئات المليارات من الدولارات.
* * *
مضى شهر تقريبا على بدء العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، ولما كانت هذه الحرب تدور في جوهرها بين غيلان النظام الدولي ، فان مخاطرها قد تطال كل ركن من اركان المعمورة ،عسكريا وسياسيا واقتصاديا وبيئيا واجتماعيا، ولعل ذلك ما دفع الخبراء لمحاولة تصور ” خاتمة هذه الحرب”…فما هي الاحتمالات المرجحة ؟
لقد جمعت 38 تقريرا مستقبليا حول حرب أوكرانيا، وكان بعضها اقرب للتنبؤات الحدسية، وبعضها اقرب لخواطر آنية ،والبعض الآخر ملخصات لمناقشات في مراكز دراسات مختلفة (غربية وروسية وصينية وإسرائيلية..)، وبعضها لباحثين في الدراسات المستقبلية، وبعضها مقابلات إعلامية مع مفكرين مرموقين)، مع الأخذ في الاعتبار أن بعضها ينتمي لأطراف النزاع مع تباين في درجة استقلالية هذه الدراسات ومدى انحيازها.
ويمكن تحديد اهم النتائج لهذه الجهود الفكرية في الآتي: :
أولا: التوقعات الاستراتيجية
اي تلك التي تأخذ طابعا عالميا ولها سمة الاتجاه الاعظم(mega-trend ) وتتمثل هذه في النتائج التالية:
أ- تقسيم أوروبا وجعل مناطق من أوكرانيا منطقة عازلة بين روسيا وأوروبا وتكريس امتناع أوكرانيا عن عضوية الناتو.
ب- تنامي الخلافات في المعسكر الغربي بخاصة اذا نجح بوتين في انجاز اهم اهداف عمليته العسكرية من ناحية، وإذا استمر تنامي القوة الصينية وهو المرجح من ناحية ثانية، الى جانب استمرار تنامي العلاقة الروسية الصينية (ارتفعت تجارة روسيا مع الصين من حوالي 6% من اجمالي تجارتها عام 2005 الى نسبة 17.9% حاليا).، وستتعزز هذه الخلافات داخل المعسكر الغربي مع استمرار التراجع الامريكي الذي يميل اغلب الاكاديميين الامريكيين لترجيحه ( وهو ما رصدناه في دراسة منشورة).
ت- تعميق العلاقة الاستراتيجية بين روسيا والصين في كافة الميادين وليس فقط في الميدان التجاري وهو توجه تبناه بوتين منذ عام 2012 وكان احد نقاط برنامجه الانتخابي الاكثر وضوحا.
ث- تاكيد عدم تدخل الناتو بشكل مباشر في الحرب نظرا للخوف من تصاعد المواجهة مع دولة(روسيا) التي تمتلك 5977 (خمسة آلاف وتسعمائة وسبع وسبعين) رأسا نوويا.
ثانيا: مستقبل الاتجاهات الفرعية في الصراع: ونجد هذه في دراسات متعددة باللغة الانجليزية مثل:
(Atlantic Council و Bruegel; Brookings Institution; Carnegie Europe; Centre for Eastern Studies; Centre for European Policy Studies; Centre for European Reform; Chatham House; Clingendael; Council on Foreign Relations; Deutsche Gesellschaft für Auswärtige Politik; European Centre for International Political Economy; European Council on Foreign Relations; Egmont; etc.)
وتتمثل اهم النتائج لرصد الاتجاهات الفرعية في الآتي:
• عودة الاهتمام الأمريكي بالأمن الأوروبي قد يؤثر على الالتزامات الأمريكية تجاه الشرق الآسيوي وهو امر تخشى نتائجه اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان؛
• احتمال العودة لسباق تسلح دولي وإقليمي
• تنامي الدور الالماني في السياسة الاوروبية تحديدا
• الحرب الاوكرانية قد تسرع الاتفاق النووي الامريكي الايراني
• تكريس فكرة التقليص المستقبلي للاعتماد الاوروبي على روسيا في مجال الطاقة
• احتمال تأميم الاستثمارات الغربية في روسيا والتي تقدر بمئات المليارات من الدولارات
• وقف بيع المواد الخام الروسية المهمة جدا للصناعة الأوروبية مثل البلاديوم( تمتلك روسيا منه 44% من الناتج العالمي) وبلاتونيوم (13%) والتيتانيوم (23%) وفانديوم (34%) والنيكل(الثالث عالميا) ناهيك عن تأثير حصارها على الاقتصاد العالمي بخاصة انها من الدول الهامة للغاية في بعض قطاعات التجارة مثل الغاز والنفط والسلاح والقمح
• احتمالات تصاعد الحروب السيبرانية.
• اذا اتسعت الحرب وتواجه الناتو مع روسيا فان منطقة الشرق الاوسط بسبب انتشار القواعد الغربية والروسية فيها قد تكون ضمن رقعة المواجهة.
• احتمال اتساع نشاط الشركات الامنية الخاصة.
ثالثا: التوقعات الآنية والتكتيكية للحرب الدائرة
1- تنبؤ نيل فيرجسون Nial Ferguson (مؤسسة هوفر البحثية): يرى انه خلال الشهور الثلاثة القادمة سيتمكن الجيش الروسي من السيطرة لكن حكومة منفى أوكرانية ستقوم ويتم على الأرجح تمركزها في مدينة لفيف(lviv) على الحدود البولندية ، وستبدأ بتلقي المساعدات العسكرية الغربية بخاصة من الناتو لاستمرار المقاومة ضد القوات الروسية، وهو ما سيطيل الحرب لفترة اطول مما خطط الروس.
2- تنبؤ الاستاذ الجامعي والباحث في مؤسسة هنري جاكسون تاراس كوزيو ( (Taras Kuzioبانتصار روسي لكنه مكلف جدا ، وتقسيم أوكرانيا واقامة حكومة تابعة لموسكو في كييف “وقد” يكون رئيسها هو الرئيس الأوكراني السابق فيكتور يانوكوفيتش والذي تم عزله عام 2014. وستحاول روسيا أن تعيده باعتبار أن إقصاءه كان نتيجة مؤامرة غربية.
3- الخبير الاقتصادي تيم آش(Tim Ash) يرى ان السيطرة الروسية على اوكرانيا ستتم لكن حرب الاستنزاف لروسيا ستأخذ فترة طويلة وسيكون الانتصار الروسي انتصارا باهظ الثمن وسيضطر روسيا في نهاية المطاف للانسحاب من اوكرانيا على غرار تجربتها الافغانية
4- احتمال القبول الاوكراني تحت الضغط العسكري بمنح شرق اوكرانيا حكما ذاتيا واضافة نص دستوري بعدم انضمام اوكرانيا للناتو
5- مقتل او فرار الرئيس الاوكراني
6- التهديد الروسي بان استمرار تدفق السلاح الغربي الى اوكرانيا قد يدفع روسيا لتوسيع دائرة الحرب لتشمل قوى معادية لكنها ليست اعضاء في الناتو مثل مولدافيا او جورجيا من ناحية او احتمال ان يهدد بان يرسل قواته الى ليتوانيا(وهي عضو في الناتو) لانشاء ممر بري يصل الساحل الروسي عند البلطيق
7- احتمال ان تصل الوساطات الدولية الى حل سلمي بتقديم تنازلات اوكرانية تطمئن روسيا
8- احتمال حدوث تغيير في السلطة الروسية وعزل بوتين بخاصة مع تعثر عسكري او مع ضغط العقوبات الاقتصادية والضغط على النخبة الروسية الملتفة حول بوتين
9- المواجهة المباشرة بين روسيا والناتو ، بسبب :فرض منطقة حظر جوي فوق اوكرانيا، او تمدد العمليات العسكرية لاراضي دولة من دول الناتو مثل بولندا او ليتوانيا
ذلك يعني أن أغلب الدراسات تنتهي الى أن بوتين سيحقق أهدافه المركزية في أوكرانيا لكنه سيتحمل عبئا كبيرا للغاية وستكون السنوات الخمس القادمة هي مرحلة انتقالية تضع الأساس لطبيعة النظام الدولي القائم مع ترجيح بانه سيكون متعدد الاقطاب.
* د. وليد عبد الحي أستاذ علوم سياسية باحث في المستقبليات والاستشراف
(فيسبوك)