انفجار لبنان كشف انهيار الأنظمة الآيلة للسقوط عربياً
النظام العربي يزداد تشظياً وضعفاً ويغذي حالة الفشل في لبنان ويشجع الفاسدين.
فساد إداري ومحاصصة طائفية فعلت بلبنان ما لم تفعله صراعات المليشيات ولا صواريخ المحتل.
أفرزت اتفاقية الطائف نظاما فاشلا أنهى الحرب الأهلية ظاهريا ووضع لبنة الفساد ودولة منزوعة السيادة يعاني منها لبنان اليوم.
تعود الاحتجاجات أسرع وأعنف ليخرج الشعب مخنوقاً بغبار الانفجار.. فهل هذا هو المنعطف الأخير في حياة نظام المحاصصة؟
* * *
تقديم الكاتب والباحث الدكتور / مازن النجار
ما بين غمضة عين والتفاتها تحولت بيروت إلى مدينة منكوبة، تلك المدينة التي كانت حتى عهد قريب وجهة السياح وموضوع الشعراء ومصدراً لإلهام الفنانين باتت كومة من ركام وزجاج مكسور!
كل ذلك ليس نتيجة حرب أهلية كما كان، أو قصف إسرائيلي، بل فساد إداري ومحاصصة طائفية فعلت بلبنان ما لم تفعله صراعات المليشيات ولا صواريخ المحتل، عدو الشعب الأول اليوم لا يلبس بزة عسكرية بل يجلس خلف مكتب حكومي.
ما أن هدأت ثورة الانفجار في بيروت حتى اشتعلت جذوة نيران الغضب الشعبي فيها، والذي انصب باتجاه النظام الفاشل الذي أفرزته اتفاقية الطائف، هذا النظام الذي أنهى الحرب الأهلية في لبنان ظاهرياً، وضع لبنة الفساد والدولة منزوعة السيادة التي يعاني منها هذا البلد اليوم.
وكل من زار بيروت يعرف أنها ضحية لتاريخ من الحروب غير ذات الطائل، ومسرح لصراعات ليس لها فيها نصيب، وفوق هذا كله يجثم الفساد على صدور ساكنيها الذين لا ينعمون حتى اليوم، وبعد مليارات المساعدات والاستثمارات، باستمرار الكهرباء يوماً كاملاً دون انقطاع.
منذ انسحاب النظام السوري من لبنان والصراع تدور رحاه بين قوى تدعمها طهران وأخرى تدعمها الرياض وبقية من نفوذ أوروبي. حزب الله من ناحيته تمكن أن يخلف النظام السوري.
وأن يستغل دوامة الفساد الرسمية وخلافات القوى السياسية ليرسخ قوته العسكرية ومن ثم السياسية، وينتهي به الأمر دولة داخل دولة، أو قل دولة على أنقاض دولة.
أما القوى السياسية المنافسة ففشلت في تحقيق أبسط أسباب البقاء السياسي، وظلت تتنافس في الفساد وفي خذلان الشعب، حتى أصبحت رهينة لسطوة الحزب ومليشياته، غير قادرة ليس على منافسته بل حتى على ملء الفراغ الطبيعي الذي وضعه لها نظام الطائف البائس.
وفي ظل انحسار دور الولايات المتحدة وفرنسا والرياض في لبنان تعزز الدور الإيراني، وتحولت البلاد إلى ساحة خلفية للصراع الدائر في سوريا، وشكل الضغط السياسي والعسكري والاقتصادي على لبنان القشة التي قسمت ظهر بعير النظام.
العبء الاقتصادي للحرب واستغلال حزب الله للبلاد مادياً وبشرياً وتدفق اللاجئين عبر الحدود، ناهيك عن التدهور الاقتصادي الطبيعي في البلاد كانت نتيجته الطبيعية المظاهرات العارمة التي اجتاحت البلاد قبل أشهر.
وكادت أن تطيح بنظامه السياسي، اليوم تعود هذه الاحتجاجات أسرع وأعنف ليخرج الشعب مخنوقاً بغبار الانفجار، فهل هذا هو المنعطف الأخير في حياة نظام المحاصصة؟
خلال اليومين الماضيين تدفقت الاستقالات بين أعضاء الحكومة والبرلمان في هروب واضح من السفينة الغارقة، حتى حزب الله الذي ينبري عادة للتهديد والوعيد خرج متنصلاً من المسؤولية.
ومع ذلك يصعب التفاؤل بزوال الغمة عن لبنان طالما وجد السلاح خارج إطار شرعية الدولة، وتوافر الدعم السخي من مختلف الأطراف لتغذية الصراع، ويصعب البحث عن نور في نهاية النفق، ووضع المحيط المباشر للبنان يبدو أحلك منه في سوريا والعراق وغيرهما.
لن تحل المشكلة اللبنانية حتى يكون هناك نظام عربي صلب يحمي لبنان من التدخلات الخارجية، ويوفر لها الدعم المطلوب لتنهض كدولة مستقرة ذات سيادة.
أما النظام العربي اليوم والذي يزداد تشظياً وضعفاً فهو يغذي حالة الفشل في لبنان، ويشجع الفاسدين فيها، لك الله يا لبنان، رحم الله من قضى في هذا الانفجار وحفظ من نجا من ويلات ما هو قادم.
* د. ماجد محمد الأنصاري أستاذ الاجتماع السياسي المساعد بجامعة قطر
الشرق