اتفاق أبراهام هل كانت الإمارات في حرب
هل كانت الإمارات في حرب مع إسرائيل؟
هل يصحّ اعتبار الإماراتيين لصفقة (سماها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب «اتفاق أبراهام») اتفاقية سلام؟
شهد العقد الأخير مساقا متشابكا من أهداف مشتركة وتنسيق سرّي ومعلن وأشكال خجولة وفاضحة من الهوى!
منطق الاحتلال والاستيطان وانتهاك حقوق الإنسان لا يستقيم إلا بتحالف مع طغم استبداديّة تعتبر شعوبها «إرهابا إسلاميّا» فاعلا أو كامنا!
ما كنا نائمين حين قامت الحرب بين الإمارات وإسرائيل وما احتجنا نستيقظ على إعلان اتفاقية «سلام» هدفها تبرير قتل فلسطين وانتهاك مقدساتها وسرقة أرضها.
عمل محموم لوأد أحلام العرب بالديمقراطية، وكسر محاولاتمناهضة طغم الأنظمة العربية في حلف وثيق أقوى من «اتفاق سلام» بين احتلال إسرائيلي واستبداد عربي.
* * *
الأتفاقات العربية واسرائيل
جاءت اتفاقات سلام الدول العربية مع إسرائيل بعد معارك أو حروب، فتمكنت مصر من استعادة سيناء، وفاز الفلسطينيون بالحكم الذاتي الانتقالي، وأوقف اتفاق وادي عربة مسار حروب الأردن ونزاعاتها الحدودية مع إسرائيل.
فهل يصحّ، والحالة هذه، اعتبار الإماراتيين للصفقة (التي سماها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب «اتفاق أبراهام») «اتفاقية سلام؟
إضافة إلى أن لا حدود جغرافية بين البلدين، وأن حروبا لم تقع بينهما، فإن مسار العقد الماضي من السنوات لم يكن يُظهر وجود «سلام» بين البلدين فحسب، بل يشير إلى مساق متشابك من الأهداف المشتركة، والتنسيق السرّي والمعلن، وأشكال خجولة أحيانا، وفاضحة أحيانا أخرى، من الهوى!
ويضمّ كل ذلك أمرا أكبر من أن تختصره «اتفاقية سلام» وهو العمل المحموم على وأد أي أحلام عربية بالديمقراطية، وكسر أي محاولة لمناهضة طغم الحكم في الأنظمة العربية، في حلف وثيق وأقوى من أي «اتفاق سلام» بين الاحتلال الإسرائيلي والاستبداد العربي.
لا يمكن، رغم كل ذلك، إنكار أهمية الإعلان عن هذه العلاقة المعروفة وزمانها، فأبوظبي، الدولة التي نشأت باجتماع نعمتي النفط والتجارة، تدرك أن التوقيت لا يقلّ أهمّية عن الفعل نفسه. فما هي الفائدة السياسيّة المتوخاة من هذا الإعلان وتوقيته؟
أم أن الأمر يتعلّق بالأحرى، بمصالح وتوقيت الشخص الذي أعلن الخبر، الرئيس الأمريكي الذي تراجع منسوب مصداقيته وشعبيته بعد معالجته البائسة لوباء كورونا؟
أم أن الأمر، كما هي العادة، يتعلّق بمصالح وتوقيت إسرائيل، وبالأحرى رئيس وزرائها، الذي اشتدت مظاهرات الإسرائيليين ضده على خلفيّة قضيتي الفساد وكورونا أيضا؟
يمكن تتبع جذور «المسألة الإماراتية» إلى الهزّة الكبيرة التي تعرّضت لها البلاد بعد تفجيرات تنظيم «القاعدة» في أمريكا عام 2001، والتي كان أغلب المشتركين فيها خليجيين (15 سعوديا وإماراتيان إضافة إلى مصري ولبناني).
فكلّ ما حصل بعد ذلك، وخصوصا مع حكم محمد بن زايد للبلد عمليا مع استلامه ولاية العهد عام 2004، يدور، نظريا، على «استراتيجية» مقلوبة، تركّز على عدو معلن هو «الإسلاميون» وعلى خصم حقيقي هو الشعوب العربية!
وهو ما يجعل العلاقة مع إسرائيل الأمر المنطقي في هذه المعادلة، فمنطق الاحتلال والاستيطان وكسر الحقوق الإنسانية، لا يستقيم إلا بالتحالف مع طغم استبداديّة تنظر إلى شعوبها باعتبارها «إرهابا إسلاميّا» فاعلا أو كامنا!
رغم البؤس الشديد الذي يكتنف الإعلان عن «اتفاق سلام» بين بلدين لم يتحاربا، فإن القضيّة بمجملها تبدو نوعا من الكوميديا السوداء، بدءا من اختيار ترامب لاسم «اتفاقية أبراهام» مستخدما الإشارة التوراتية والإسلامية، التي تعتبر النبيّ إبراهيم هو سلف المسلمين واليهود والمسيحيين!
ومرورا بمحاولة الإمارات بيع الحدث للفلسطينيين بالقول إنها وافقت على التطبيع مع تل أبيب مقابل وقف ضم إسرائيل لأراضي الفلسطينيين، ووصولا إلى ظهور ألوان العلم الإماراتي بالمصابيح المضيئة على مبنى بلدية تل أبيب، بحيث يختلط الدينيّ بالسياسة والتسلية.
لم نكن نائمين حين كانت الحرب «قائمة» بين الإمارات وإسرائيل، وما كنا بحاجة لنستيقظ لنتأكد من إعلان اتفاقية «سلام» هدفها تبرير قتل الفلسطينيين وانتهاك مقدساتهم وسرقة أراضيهم.
القدس العربي