الشيشان على جبهتين

0

 

الشيشان على جبهتين:

الشيشان على جبهتين: ابن المفتي قديروف حليف بوتين… و«الشيخ منصور» مع زيلنسكي
تحول لافت يعني في أحد جوانبه، أن الخبرات التي اكتسبها المقاتلون الشيشان بعد سنوات من حربهم مع روسيا، تحولت لصالح روسيا.
تبدو هزيمة الفصائل الإسلامية والعشائرية بمنطقتنا تشابه ما حصل بالشيشان من عجز عن ترتيب البيت الداخلي، وإخفاق في رأب الصدع داخل القبيلة.

سبب خروج فريق من الثوار وتحالفهم مع العدو خلافات داخل البيت الثوري تغذي أحقادا تدفع بفصائل متنافسة للتقارب مع أعداء الأمس وتحول بوصلتهم.

كتيبة “الشيخ منصور” متحالفة مع زيلنسكي وتقاتل بجانب أوكرانيا ضد الجيش الروسي لتكتمل المفارقة الشيشانية بين شيشان يقاتلون بعضهم بعضا في جبهتين متضادتين!
أصبحت موسكو حليفا لـ”المفتي” رمضان قديروف نكاية بخصميه شامل باسييف والرئيس الشيشاني الأسبق سليم خان بندرباييف الذي سعى في 1996 لإقامة اتحاد بين داغستان والشيشان فغزته موسكو مباشرة.
* * *

ظهرت أصوات التكبير مجددا مع مشاهد المعارك التي تخوضها مجموعة مقاتلة شيشانية في أوكرانيا، لكنها هذه المرة ليست قوات قديروف الشيشانية الموالية لموسكو، بل هي كتيبة تدعى «الشيخ منصور» متحالفة مع زيلنسكي وتقاتل إلى جانب أوكرانيا ضد الجيش الروسي.

 

لتكتمل المفارقة في الجانب الشيشاني من هذه الحرب الأوكرانية، بين شيشان يقاتلون بعضهم بعضا في جبهتين متضادتين، إلى تحولات ما بعد الهزيمة الشيشانية القاسية في الحروب الروسية، التي جعلت فريقا من الشيشان يقاتل بجانب روسيا، ويحالف رئيسها بعد سنوات حرب دامية خاضها الشيشان ضد روسيا، دمرت عشرات القرى والمدن القوقازية، وهذا تحول لافت يعني في جانب من جوانبه، أن الخبرات التي اكتسبها المقاتلون الشيشان بعد سنوات من حربهم مع روسيا، تحولت لصالح روسيا.

 

يذكرنا هذا بالقوات الشيشانية التي جاءت إلى سوريا ضمن القوات الروسية، وانتشرت في حلب كضامن للأمن، بينما كانت على الجبهة الأخرى التي تقاتل النظام السوري مجموعات جهادية شيشانية منضوية في فصائل معارضة جهادية، أو حتى من الجيش الحر تتمركز شمال حلب في كفر حمرا وضهرة عبد ربه.

 

بالطبع الرئيس الشيشاني الحالي رمضان قديروف حليف بوتين لا يمثل كل القوى والأطياف الشيشانية، لكنه بالتأكيد يمثل جزءا من المعارضة و«الثورة» الشيشانية على سلطات موسكو، التي قادت لعدة حروب مدمرة خاضتها روسيا لإخضاع غروزني.

وكان أبرز من اشتهر من قادة الجهاديين الشيشان شامل باسييف، الذي ظل مطاردا حتى مقتله عام 2006 في حادث اختلف حول كونه اغتيالا مدبرا من الأمن الروسي، أو أنه انفجار عرضي خلال نقله لشحنة متفجرات، إضافة إلى الجهادي السعودي الشهير خطاب.

 

لكن فريقا من قادة المعارضة الشيشانية اختار التقارب مع موسكو، ومنهم المفتي أحمد قديروف، والد الرئيس الحالي رمضان قديروف حليف بوتين، الذي اغتيل في عملية تبناها شامل باسييف نفسه متهما إياه بالعمالة لموسكو.

والمفتي قديروف معارض إسلامي تلقى علومه الدينية في أوزبكستان، ويقال إن عائلته طردت من كازاخستان في عهد ستالين. كل هذا التاريخ من المعاناة مع روسيا تناساها رمضان قديروف بسبب نزاعاته الداخلية مع رفاق دربه الشيشان.

 

كالعادة، يكون سبب خروج فريق من الثوار وتحالفهم مع العدو هو خلافات البيت الثوري الداخلية، التي تغذي أحقادا تدفع بالفصائل المتنافسة للتقارب مع أعداء الأمس وتحول بوصلتهم، فتصبح موسكو حليفا لـ”المفتي” رمضان قديروف نكاية بخصميه باسييف والرئيس الشيشاني عام 1996 سليم خان بندرباييف، الذي سعى عام 1996 لإقامة اتحاد إسلامي بين داغستان والشيشان فغزته موسكو مباشرة.

 

وقد تحدث أحمد قديروف – والد الرئيس الشيشاني الحالي- عن خلافاته مع سليم خان في تلك المرحلة، في عدة لقاءات صحافية، وفي لقاء مع قناة «الجزيرة» عام 2000، قال قديروف إنه كان يعارض بندرباييف لأنه «كان يدعم المتطرفين المتسترين براية الإسلام»، وكذلك رفضه للمقاتلين العرب ومطالبته بتنحية شامل باسيبف.

ويقول «عند الدخول الثاني للقوات الروسية عام 1999 قلت لمسخادوف، إن الفرصة الوحيدة لتفادي الحرب تتمثل في إصدار أمر بطرد الأجانب كافة، وعلى رأسهم خطّاب بالإضافة إلى تجريد شامل باسييف من الرتب والمسؤوليات كافة»، طبعا هذه تبريرات غير مقنعة، فإذا كان معترضا، بل مختلفا مع الفرقاء الشيشان فهل يفسر ذلك تحالفه مع عدوه الجيش الروسي؟

تذكرنا هذه الحالة بما حصل في فصائل المقاومة العراقية، التي كانت مختلفة في ما بينها بسبب درجة إسلاميتها، بين طيف إخواني وآخر سلفي معتدل «سروري/علمي»، وآخر سلفي جهادي تنوع هو الاخر بين عدة جماعات، تبدأ من «تنظيم الدولة» إلى «أنصار السنة» و«جيش المجاهدين».

وعندما نشب النزاع بين تلك الفصائل والجهاديين الأصوليين، كان لديهم ما يكفي من مبررات للخلاف معهم، تتعلق بالممارسات المتطرفة لـ«القاعدة» وأخواتها وإمعانها في قمع معارضيها، لكن هذا كله لا يفسر ولا يبرر أن تتحول تلك الفصائل لتصبح حليفا لعدوها الجيش الأمريكي، ضمن برنامج «الصحوات». إذ يبدو أن هزيمة الفصائل الإسلامية والعشائرية في منطقتنا هذه تشابه ما حصل في الشيشان، عجز عن ترتيب البيت الداخلي، وإخفاق في رأب الصدع داخل القبيلة، فتتنازع العشائر في ما بينها لتعيد إنتاج آلية انقسام العرب بين غساسنة الفرس ومناذرة الروم.
* وائل عصام كاتب صحفي فلسطيني

(القدس العربي)

[cov2019]