عوامل للتغيير الإيجابي فرضهـا وبــاء «كـورونا»

0

عوامل للتغيير الإيجابي فرضهـا وبــاء «كـورونا»

لا يجوز إغفال الفرص أثناء عملية إدارة الأزمة، ولعله توقيت مثالي حالياً للتركيز على فرص تتيحها الأزمات.
زادت الصدمة من وعينا الجماعي وحساسيتنا تجاه «المخاطر الثانوية» منخفضة الاحتمال ذات درجات التأثير الكبير.
تقع المهمة الأساسية على عاتق كل الأطراف للتغلب على اضطرابات يسببها الوباء بطرق تؤكد الجوانب الإيجابية للأزمة.
حان وقت النظر في تثبيت الاتجاهات والظروف التي ستعيد تشكيل مجتمعنا واقتصادنا بشكل أفضل على المدى الطويل.
* * *
لقد استحوذت المآسي الإنسانية والاضطرابات الاقتصادية الهائلة التي سببها فيروس كوفيد-19، على اهتمام الجمهور وصنّاع السياسات لأكثر من ستة أشهر، وهو أمر واجب ينبغي الاستمرار فيه؛ لكن يجب عدم إغفال الفرص أثناء عملية إدارة الأزمة، ولعله التوقيت المثالي حالياً للتركيز على الفرص التي تتيحها الأزمات.
فالمهمة الأساسية ملقاة على عاتق كل الأطراف سواء الشركات أو الحكومات أو الأسر أو المؤسسات متعددة الأطراف التي تمر في هذه الفترة المقلقة. إنها التغلب على الاضطرابات التي يسببها الوباء بطرق تؤكد أيضاً الجوانب الإيجابية للأزمة.
لقد حان الوقت للنظر في تثبيت الاتجاهات والظروف التي ستعيد تشكيل مجتمعنا واقتصادنا بشكل أفضل على المدى الطويل. وعندما نضع هذا الهدف الشامل في الاعتبار، هناك ستة نقاط مضيئة يمكن التركيز عليها.
الأولى، هي أننا نعيش في واحدة من أكثر الفترات إثارة، وتحمل آفاقاً واعدة في مجال الاختراعات الطبية والابتكارات. وبينما ينصب التركيز الفوري على لقاحات كوفيد-19، يجب أن نتوقع أن تسفر الأبحاث الجارية حالياً عن مجموعة من الاكتشافات الأخرى، والتي سيحقق الكثير منها فوائد كبيرة ودائمة.
علاوة على ذلك، تجبرنا الأزمة على مواجهة مجموعة من القضايا المعقدة؛ المتعلقة بتسعير الأدوية وتوزيعها، محلياً وعالمياً، فضلاً عن نطاق التفاوت الاجتماعي وغيره من أوجه عدم المساواة التي سمحنا بتفاقمها.
ثانياً، تغذي هذه الطفرة البحثية والعلمية مستويات التعاون الأعمق بين مؤسسات وشركات القطاع الخاص عبر الحدود، والتي في الأغلب تكون خارج نطاق الجهود الحكومية. وفي إطار التعبئة ضد فيروس كورونا، يتبادل العلماء في جميع أنحاء العالم المعلومات بسخاء لم يحدث من قبل، وتتعاون شركات الأدوية بطرق غير مسبوقة.
ويتم دعم هذه الجهود الجماعية؛ من خلال شراكات ديناميكية بين القطاعين العام والخاص، مما يدل على أن أداة التنمية هذه يمكن أن تكون في الواقع «مربحة للجانبين» عندما تكون مركزة بشكل صحيح ويكون هناك توافق واضح.
ثالثاً، دفعت الاضطرابات الاقتصادية الناتجة عن الوباء جهود القطاع الخاص المتعددة لجمع وتحليل مجموعة أوسع من البيانات في مجالات تمتد إلى ما هو أبعد من الطب. ففي مجال الاقتصاد، على سبيل المثال، هناك زيادة هائلة في الاهتمام بالطرق الجديدة المبتكرة لقياس النشاط الاقتصادي؛ من خلال مؤشرات مثل التنقل الذكي، واستهلاك الكهرباء، وحركة قطاع التجزئة، وكذلك استخدام بطاقات الائتمان وحجوزات المطاعم.
وتكمل هذه المقاييس الآن الإحصاءات الرسمية التي جمعتها الحكومات، مما يوفر مجالاً كبيراً لدعم جهود تجميع وتحليل البيانات؛ من خلال عمليات المقارنة والتباين التي يمكن أن تحسن جودة وملاءمة القرارات السياسية.
رابعاً، زادت صدمة كوفيد -19 من وعينا الجماعي وحساسيتنا تجاه «المخاطر الثانوية» منخفضة الاحتمال ذات درجات التأثير الكبير. وفجأة بدأ الكثيرون في القطاعين الخاص والعام في التفكير أكثر فيما يتعلق بالتوزيع الكامل للنتائج المحتملة، بينما كانوا في الماضي يركزون فقط على الأحداث الأرجح، وأصبح صانعو القرار أكثر انفتاحاً على تحليل السيناريوهات والمجموعة الأوسع من محادثات «تعدد الفرضيات والخضوع للضرورة» التي تثيرها مثل هذه التحليلات.
في حالة تغير المناخ – وهو خطر كبير اعتبره البعض خطأً على أنه خطر مؤجل – قدم الانخفاض الحاد في الانبعاثات الضارة خلال الأزمة الحالية دليلاً واضحاً على إمكانية إيجاد مخرج جديد لأزمة المناخ.
ومن المقبول الآن على نطاق واسع أن تلعب الحكومات دوراً مهماً في ضمان التعافي الدائم والشامل. وأصبح الباب مفتوحاً على مزيد من الاستثمارات العامة في التخفيف من حدة المناخ والتكيف معه، وهناك جوقة متزايدة تطالب بأن يكون الوضع الطبيعي الجديد «أخضر».
هذا ينقلنا إلى النقطة الإيجابية الخامسة. لقد دفع الوباء بلداً بعد الآخر إلى إجراء سلسلة من «التجارب الطبيعية»، والتي سلطت الضوء على مجموعة من القضايا التي تتجاوز الصحة والاقتصاد. وخضعت أنظمة الحكم وأنماط القيادة للتدقيق، مما كشف عن تباين واسع في قدرتها على الاستجابة لنفس الصدمة الكبيرة.
ولم تقتصر هذه القضايا على القطاع العام؛ بل تم تسليط الضوء على مسؤولية الشركات؛ حيث تتدافع شركة تلو الأخرى للاستجابة لما لم يكن وارداً في السابق. وقد ثبت أن غياب التعاون متعدد الأطراف؛ يفرض التهديدات على الجميع.
أخيراً، تطلبت الأزمة من العديد من الشركات إجراء محادثات صريحة حول التوازن بين العمل والحياة، وابتكار حلول مبتكرة؛ لتلبية احتياجات الموظفين. لقد طرأت تغييرات بعيدة المدى على كيفية عملنا، والتفاعل مع الزملاء، واستهلاك السلع والخدمات، ومن المحتمل أن تغيب بعض هذه التغييرات بعد مرور أزمة الوباء.
هذه النقاط الإيجابية الست تشكل قائمة أولية بالفرص التي يتيحها الوباء. ولا تكمن الفائدة فقط في تحمل شدة الصدمة وعدم اليقين اللذين واجههما أغلب سكان العالم؛ حيث استمر الوباء لفترة أطول بكثير مما توقعه الكثيرون، وعزز تجارب البشر على تحمل المشقة والتحلي بالصبر، ولا يزال يخلف المآسي والدمار.
ولكن هذا يعد سبباً إضافياً لتحقيق أقصى استفادة من استجابتنا الجماعية. يتمثل التحدي الآن في توسيع هذه القائمة وتحسينها، حتى نتمكن من اغتنام الفرص المعروضة، وحصر اتجاهات أكثر إيجابية على المدى الطويل. من خلال العمل معاً، يمكننا تحويل فترة المحن العميقة إلى فترة من الرفاهية المشتركة لنا وللأجيال القادمة.
* د. محمد العريان خبير اقتصادي كبير الاستشاريين بمجموعة “أليانز”.
(ذي غارديان)

[cov2019]