عودة «داعش»

0

عودة «داعش»

لن يكون مستبعداً أبداً أن نرى داعش استعاد كثيراً من حضوره الدامي وتحول مجددا إلى لاعب رئيس على مسرح سوريا والعراق!
فوضى الأمن وتفشي الفساد وصراع الأجهزة وتغوّل الحشد على الدولة والقائد العام هي شقوق تتيح للتنظيم النفاذ من خلالها لتوجيه ضربات مؤلمة!
ضائقة اقتصادية وفشل التعاطي مع ما بعد الحرب وعقوبات أمريكية دولية وإنهاك الجيش السوري وحلفائه مكنت التنظيم من تنظيم صفوفه والظهور مجددا.
يستفيد داعش من «مظلمات» فئات عراقية واسعة، لم تتمكن حكومات بغداد من تلبية احتياجاتها، وإعادة إعمار مناطقا وتتعرض لقسوة الحشد الشعبي المفرطة.
* * *

الكاتب الصحفى أشرف السعدنى 

لا يكاد يمر أسبوع واحد، من دون أن ينفذ تنظيم الدولة الإسلامية عملية عسكرية واحدة على الأقل، إن لم يكن في سوريا ففي العراق…

الأمر الذي يعيد طرح السؤال حول جدية الادعاء بالقضاء على التنظيم الإرهابي الأكثر شهرة…

ادعاء تتبارى أطراف عديدة، في نسبته إليها، من موسكو إلى واشنطن، ومن طهران إلى أنقرة، مروراً بدمشق وبغداد.

لا شك أن «داعش» أصيب في مقتل، بعد «الحرب الكونية المركبة»، التي شنتها عليه مختلف الأطراف التي أتينا على ذكرها.

وإن بأقدار متفاوتة، وفي ساحات مختلفة.

بيد أن الحقيقة التي لا تخطئوها العين، أن تدمير مؤسسات «دولة الخلافة» واستعادة السيطرة على معظم «جغرافيتها».

لم يجهزا على التنظيم نهائياً، فهو ما زال يجد مساحات واسعة للتحرك في البادية السورية – العراقية وجنوبي الفرات.

ويحتفظ بمواقع وقواعد في عدد من البلدات والتجمعات السكانية النائية، فيما محاولات «ترميمه» لا تتوقف.

ويبدو أنها تحقق بعض التقدم، بدلالة نجاحه في التعرض بقسوة للحشد الشعبي، وتمزيقه قلب بغداد.

وتمكنه من توجيه ضربات موجعة للجيش السوري والفصائل الحليفة.

ومما لا شك فيه، أن التنظيم يستفيد من «مظلمات» فئات عراقية واسعة، لم تتمكن حكومات بغداد المتعاقبة:

من تلبية احتياجاتها، وإعادة إعمار مدنها وقراها، وتتعرض لقسوة مفرطة وفوضى السلاح المدجج بالمذهبية.

الذي تجلبه معها وحدات «الحشد الشعبي» في مدن وبلدات ومحافظات المكوّن السنّي…

فوضى الأمن وتفشي الفساد

ولا شك أن فوضى الأمن وتفشي الفساد، واصطراع الأجهزة، وتغوّل الحشد على مؤسسات الدولة «القائد العام».

هي «شقوق» تتيح للتنظيم النفاذ من خلالها، لتوجيه ضربات مؤلمة، تذكّر بما كان عليه حاله قبل سنوات من سقوط «خلافته».

وفي سوريا، لا يبدو أن النظام قادر على إحكام سيطرته على مناطقه «المحررة»، سيما في البوادي الشرقية الواسعة.

ولا شك أن الضائقة الاقتصادية والفشل في التعاطي مع «ملفات ما بعد الحرب»، والعقوبات الأمريكية – الدولية.

وحالة الانهاك التي يعيشها الجيش السوري والقوات الحليفة، تمكن التنظيم من التقاط أنفاسه، وإعادة تنظيم صفوفه، والاطلالة برأسه البشع من جديد.

مشكلة داعش الاساسية 

لكن مشكلة «داعش» الأساسية اليوم، أنه لم يعد يجد حواضن إقليمية ودولية، تمكنه استعادة حضوره القوي في المناطق التي يعمل بها ويتحرك فوقها…

«داعش» ما كان ليسطّر كل تلك النجاحات، لولا شرايين الدعم المالي والتعبوي والعقائدي الإقليمي، المفتوحة على اتساعها..

لولا التسهيلات التركية وحرية تنقل المسلحين والأموال والسلاح، والتجارة التي لم تتوقف على النفط والآثار، بل وكافة أنواع المحظورات…

لولا الانقسامات في جبهة القوى العالمية المتصارعة في سوريا والعراق وعليهما.

والتي مكنت التنظيم من توظيف هذه الانقسام في بناء عناصر قوته واقتداره.

اليوم تبدو الصورة مختلفة، فالتنظيم مشتبك مع مختلف الأطراف المشار إليها، وداعموه السابقون، توقفوا عن إمداده بالمال والسلاح، حتى أن عمليات «غض الطرف» باتت غير متاحة في كثير من الأحيان.

سياسية الاعتماد على الذات 

الحلقة تضيق من حول عنق التنظيم، ولذلك نراه يعتمد استراتيجية «الاعتماد على الذات» بعد أن تقلصت مساحة «العون الخارجي».

إن لم يجر التوصل إلى حل سياسي لأزمة سوريا، يفتح الطريق لإعادة الإعمار وإعادة اللاجئين وحل المعضلة الاقتصادية..

مشروع الكاظمي

وإن لم ينجح مشروع الكاظمي في استعادة الدولة العراقية، وتفكيك منظومة الفساد، وتحجيم الكيانات والدول الموازية، والشروع في استعادة التوازن والاتزان للعملية السياسية، وإطفاء مظلوميات قطاعات مهمة من الشعب العراقي..

فلن يكون مستبعداً أبداً، أن نرى التنظيم وقد استعاد كثيراً من حضوره الدامي، وتحول من جديد، إلى لاعب رئيس على مسرح البلدين الجارين.

 

 

* عريب الرنتاوي كاتب صحفي أردني

 

[cov2019]