هل تتحقق المصالحة بين النظم الخليجية؟
هل تتحقق المصالحة بين النظم الخليجية؟
انتهى السامر وانفضّ السمار، وفتحت كل النوافذ للعبور من كل الثغور من قطر وإليها.
تقتضي المصالحة المنشودة الحوار مع أصحاب الرأي، وتبييض السجون منهم، والتوسع في فتح مدارس.
المواطن الخليجي هو المعني وتحمّل آلام الخصومة وأعباءها واكتوى بنارها ثلاثة أعوام ونيف حريّ به أن يعلم ماذا تضمّن “بيان العلا”.
تقتضي المصالحة المنشودة حوارا مع أصحاب الرأي وتبييض السجون منهم والتوسع في فتح مدارس فالحكمة العربية تقول “من فتح مدرسة أغلق سجنا”.
****
الكاتب اشرف السعدنى
(1) كانت فاتحة العام 2021 علينا، نحن أهل الخليج العربي، “فاتحة خير“. انقشعت أو تكاد تنقشع سحب القطيعة والابتعاد بين الأشقاء، ففتحت الأجواء والبراري والقفار ومياه البحار لحرية الحركة والتنقل من قطر وإليها، وتيسّرت سبل التواصل بين المقيمين العرب في قطر وأوطانهم التي فرضت أنظمتها حصارا على قطر في الخامس من يونيو/ حزيران 2017.
وقد تحقق هذا بفضل المخلصين في الكويت وعُمان اللتين بذلتا جهودا مضنية لتحقيق مصالحة خليجية خليجية. ولاقت تلك الجهود ترحيبا وتقديرا واستجابة صادقة من الدوحة والرياض أولا، وكان العناق في مدينة العلا على تخوم المدينة المنورة، موئل رسول الحرية والسلام محمد عليه أفضل الصلاة والسلام ومرقده، أبلغ تعبير عن انجلاء الغمّة عن الأمة وعودة المياه إلى مجاريها.
(2) حقا، تمت المصالحة الخليجية على مستوى القمة، ورأيناهم على شاشات التلفزة يتبادلون التوقيع على وثقة إعلان المصالحة، وطي صفحة الماضي بكل مآسيها، لكن بنود تلك الوثيقة غابت عنا، نحن الشعب، ولا نعلم من محتواها سوى العموميات، كالقول بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول أعضاء مجلس التعاون الخليجي، ومواجهة العدو المشترك، .. إلخ.
والمواطن الخليجي هو المعني، والذي تحمّل آلام الخصومة وأعباءها، واكتوى بنارها ثلاثة أعوام ونيف، حريّ به أن يعلم ماذا تضمّن “بيان العلا”.
سيكتب صهر الرئيس الأميركي ترامب ومستشاره، كوشنر، والذي واكب المسألة من مولدها إلى نهايتها، “قصة القطيعة والمصالحة” بين الأشقاء العرب، في مذكّراته التي ستصدر قبل نهاية العالم الحالي، وسيذكر وقائع ما تم من وجهة نظر أميركية.
وأتمنى أن تصدر حقائق “القطيعة والمصالحة” منا، نحن العرب، كي نضيّع الفرصة على الذين يبنون لأنفسهم تاريخا بنشر مذكراتهم، بعد انتهاء مهمتهم، ويتربحون على حساب قضايانا، لأننا قد أفضينا لهم أسرارنا، ومن ثم يأتون ليكتبوا تاريخنا، ونحن ندرّسه للأجيال القادمة من منظور أميركي وانعدام رؤيتنا لحالنا.
(3) انتهى السامر وانفضّ السمار، وفتحت كل النوافذ للعبور من كل الثغور من قطر وإليها. ستفتح السفارات أبوابها بالتبادل بين العواصم الأربع والدوحة، ونرى السفراء في مقاهي الدوحة وأسواقها يتجوّلون بكل حرية ومحبة واحترام، كما سيكون حال سفراء قطر في تلك العواصم.
رأينا على المنافذ البرية كيف استقبل المواطنون الخليجيون بعضهم بعضا بالحب والعناق ودموع الفرحة، وكذلك في المطارات. رأينا على شاشات التلفزة الخليجية أصحاب المحلات التجارية في الإحساء وهم يهتفون “مرحبا أهلنا القطريين .. “، ذلك هو الشارع الخليجي، لم تحجب المودّة بينهم رغم القطيعة السياسية. إنها إنجازات عظيمة، نطلب من الله أن لا تعود القطيعة بيننا.
(4) هل تقود تلك الإنجازات على مستوى القمة إلى مصالحة بين تلك النظم ومواطنيها؟ نريد، نحن شعب الخليج العربي، انعكاس تلك المصالحة علينا، نريد مصالحةً بين النظم ومواطنيها، مصالحة تنطلق من إطلاق حرية الكلمة البناءة التي تجمع ولا تفرّق، وتعمّق المحبة بين مكونات مجلس التعاون الخليجي، وليس تكميم الأفواه وتسييد مقالات النفاق على مقالات أهل الرأي الصادقين المخلصين لأوطانهم وأمتهم العربية والإسلامية.
انتقاد سياسة الدولة داخليا أو خارجيا في وسائل الإعلام لا يعني العداء للنظام السياسي، هو كلمة الناصح الأمين لصانع القرار وإظهار نقاط الضعف في بنية النظام لإصلاحها. تنبني قوة الدولة من قوة جبهتها الداخلية وتماسكها، ولا يتأتّى ذلك إلا بحرية التعبير وصدق القول.
هناك عناصر ركبت موجة الخلاف بين الأنظمة الحاكمة في الخليج، وأمعنت في العداء لطرف، واصطفت إلى جانبٍ آخر، بحثا عن منصب أو جاه، لا من أجل قضية وطنية إصلاحية. سقط هذا النمط في واد سحيق، يصعب الالتفات إليه، وتحتاج المصالحة معه إلى أزمان وأزمان. المقصودون بالانفتاح عليهم والمصالحة معهم أصحاب الرأي الذين يريدون السمو بأوطانهم وأمتهم، وليس الباحثين عن مناصب ولو على أسنّة الرماح.
تقتضي المصالحة المنشودة الحوار مع أصحاب الرأي، وتبييض السجون منهم، والتوسع في فتح مدارس، فالحكمة العربية تقول “من فتح مدرسة أغلق سجنا”. والمدرسة التي أطلب فتحها هي مدرسة الحوار مع أصحاب القلم النزيه الأمين.
الحوار مع أهل القلم والعقل يقوي النظام السياسي، فان كنتم تنشدون القوة والتمكين فأدواتها حرية التعبير والمشاركة في صناعة القرار، فالحاكم لكي يكون قويا يحتاج ثلة من أهل الفكر والرأي والحكمة والقلم، لا ثلة من الوشاه والمنافقين والكذابين والمتزلفين، ممن يزيّنون للحاكم سوء الأعمال بغية كسب رضاه. هذه البطانة هي أدوات هدم النظام.
وهنا تُستدعى نصيحة شاه إيران، عندما طلب من بعض حكام المنطقة، إرسال أقرب الناس إليهم في منفاه، وقد كان. كانت نصيحة الشاه لزملائه تحذيرهم من بطانتهم، وقال “ما حصل معي من البطانة التي كانت أكثر قربا مني. لقد كذبوا علي، إلى أن تفاقم الأمر في الشارع، ولم يعد هناك خط رجعة فاحذروا”.
آخر القول: يا معشر الحكام، لا تخافوا من أصحاب الرأي، بل توجسوا خيفة من البطانة الانتهازية.
* د. محمد صالح المسفر استاذ العلوم السياسية بجامعة قطر.